التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث أبي هريرة: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبًا ولا فضة

          4234- قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا فيما يظهر هو المسنَديُّ الحافظ، و(أَبُو إِسْحَاقَ) هذا: هو الفزاريُّ، إبراهيم بن محمَّد بن الحارث، أحد الأعلام، وبعده (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ): الإمام المجتهد، أحد الأعلام.
          وفي هذا السند لطيفة: وهو أنَّ البُخاريَّ روى عن جماعة من أصحاب مالك، وروى في «الصحيح» عن أصحابِ أصحابِه، وهنا بينه وبين مالك ثلاثة، وهذا يدلُّ على تعظيمه له، والاعتناء بحديثه، وهو أهلٌ لذلك، ولا أعلم مكانًا في هذا «الصحيح» وقع بين البُخاريِّ وبين مالك ثلاثةُ أشخاص إلَّا هذا، وهذا أطول ما يوجد للبخاريِّ عن مالك، وسيجيء مكانٌ في هذا «الصحيح» أغربُ من هذا، لكن في ترجمة يزيد بن أبي عُبيد [خ¦4507]، والله أعلم.
          ورأيتُ في «مسلم» في أواخر (الأضحية) حديث أمِّ سلمة: «إذا رأيتم هلال ذي الحجَّة، وأراد أحدُكم أن يضحي؛ فليمسك عن شعره وأظفاره»، وقع بين مسلم وبين مالك ثلاثةٌ كهذا، وذلك من طريقين.
          تنبيهٌ آخر وفيه لطيفةٌ أخرى: حديث مالك يقع للنَّسائيِّ أعلى ما يقع له بينه وبين مالك واحد، ووقع بينه وبينه في حديثٍ خمسةُ أشخاص، والحديث المشار إليه رواه النَّسائيُّ في «جمعه لحديث مالك»، عن زكريَّا بن يحيى خيَّاط السنَّة، عن إبراهيم بن عبد الله الهرويِّ، عن سعيد بن محبوب، عن عبثر بن القاسم، عن سفيان الثوريِّ، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمَّد بن عليٍّ، عن أبيهما، عن عليٍّ ☺...؛ فذكر حديث النهي عن نكاح المُتعة، والله أعلم.
          تنبيهٌ آخر: حدَّث البُخاريُّ في مواضع عن رجل عن شعبة [خ¦1927] [خ¦4766]، وحدَّث في مواضع عن ثلاثة عن شعبة [خ¦267] [خ¦4808]، وحدَّث في موضع عن رجل عن الثوريِّ [خ¦2647]، وحدَّث في مواضع عن ثلاثة عنه [خ¦4609]، وأعجب منه: حدَّث عن جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه، وحدَّث عن سعيد بن مروان، عن محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمَة، عن أبي صالح سلمويه، عن ابن المبارك [خ¦4953]، وابن المبارك أصغر من مالك وشعبة وسفيان.
          تنبيهٌ آخر: قتيبة شيخ الأئمَّة الستَّة، حاشى ابن ماجه فبواسطة، وقد روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» في (الجمع بين الصلاتين) حديثًا عنه، ثُمَّ عقَّبه في بعض النسخ بأن رواه عن عبد الصمد بن سليمان: حدَّثنا زكريَّا اللؤلؤيُّ: حدَّثنا أبو بكر الأعينُ: حدَّثنا عليُّ ابن المدينيِّ: حدَّثنا أحمد ابن حنبل: حدَّثنا قتيبة بهذا؛ يعني: حديث معاذ، فبينه وبين قتيبة في الحديث الثاني خمسة أشخاص.
          وهذا الإمام الشافعيُّ أخذ عن مالك نفسِه، وحدَّث عنه، وعن واحد عنه، وعن اثنين عنه، وفي موضع من «الأمِّ» روى عن ثلاثة عنه، فبينه وبين مالك في هذا المكان ثلاثة أشخاص، والله أعلم، أفادنا هذا عن الشافعيِّ شيخُنا العلَّامة النُّدْرة سراج الدين البلقينيُّ.
          قوله: (حَدَّثَنِي ثَوْرٌ): هو بالثاء المثلَّثة، وهو ثور بن زيد، و(سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ): هو سالم أبو الغيث، تَقَدَّم، و(أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
          قول أبي هريرة: (افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ): وكذا يجيء في آخر (الأيمان والنذور): (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَى خَيْبَرَ...)؛ الحديث [خ¦6891]، قال المِزِّيُّ في «الأطراف»: (قال الدارقطنيُّ: «قال موسى بن هارون: وَهِم ثور بن زيد في هذا الحديث؛ لأنَّ أبا هريرة لم يخرج مع النَّبيِّ صلعم _يعني: إلى خيبر_ وإنَّما قدم المدينة بعد خروج النَّبيِّ صلعم إلى خيبر، وأدرك النَّبيَّ صلعم وقد فتح الله عليه خيبر»، قال أبو مسعود الدِّمَشْقيُّ: وإنَّما أراد البُخاريُّ ومسلم من نفس هذا الحديث قصَّة مِدعَم في غلول الشملة التي لم تصبها المقاسم، وأنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «إنَّها لتشتعل عليه نارًا» [خ¦4234]، وقد روى الزُّهريُّ، عن عنبسة بن سعيد، عن أبي هريرة قال: «أتيتُ / النَّبيَّ صلعم بخيبر بعد ما افتتحوها، فقلتُ: أَسهِم لي» [خ¦2827]، ورواه أيضًا عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاصي، عن جدِّه، عن أبي هريرة، ولا يشكُّ أحد من أهل العلم أنَّ أبا هريرة قد شهد قَسم النَّبيِّ صلعم غنائم خيبر، هو وجعفر بن أبي طالب وجماعة من مهاجرة الحبشة الذين قدموا في السفينة، فإن كان ثور وَهِم في قوله: «خرجنا»، فإنَّ القصَّة المرادة من نفس الحديث صحيحة)، انتهى.
          قوله: (وَالْحَوَائِطَ): هو جمع حائط؛ وهو البستان(1) من النخيل إذا كان عليه حائط، وهو الجدار.
          قوله: (وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ): (مِدْعَم): بكسر الميم، وإسكان الدَّال، وفتح العين المهملتين، ثُمَّ ميم.
          قوله: (أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ): قال الدِّمْياطيُّ: (الذي أهدى للنَّبيِّ صلعم مِدْعمًا يقال: هو رفاعة بن زيد بن وهب الضُّبيبيُّ، وَفد في جماعة من قومه، وأسلموا، وأمَّا ضباب؛ فهو ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، انتهى، قال ابن قُرقُول: (وقع في «البُخاريِّ» في حديث مِدْعَم: «أهداه له أحد بني الضِّباب»، كذا في «غزوة خيبر»، والصواب: أحد بني الضُّبيب)، انتهى، وسيأتي على الصواب في هذا «الصحيح» في (الأيمان والنذور) قبل (كتاب الكفارات)، ولفظه: (فأهدى رجل من بني الضُّبيب لرسول الله صلعم غلامًا يقال له: مِدعَم) [خ¦6707]، والله أعلم، ورفاعة هذا ذكره ابن عبد البرِّ في «الاستيعاب» في الصَّحابة، وكذا ذكره غيره، والله أعلم، وسيأتي [في] نسبة سيِّده تعقُّب في (الأيمان والنذور) [خ¦6707].
          قوله: (سَهْمٌ عَائِرٌ): هو بالعين المهملة؛ أي: لا يُدرى مَن رماه.
          قوله: (فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلعم بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ(2): هذا الرجل الذي جاءه ◙ لا أعرف اسمه، وكذا قال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: (إلَّا أنَّ في رواية محمَّد بن إسحاق وغيره: أنَّه أنصاريٌّ، انتهى.
          قوله: (بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ(3): (الشِّراك)؛ بكسر الشين المعجمة: أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وقد تَقَدَّم [خ¦1889].


[1] زيد في (أ): (وجمعه).
[2] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (بشراكين).
[3] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (بشراكين).