التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة العشيرة أو العسيرة

          قوله: (بابُ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ): هي في أصلنا: بالإعجام في الشين، وقوله: (أَوِ الْعُسَيْرَةِ)؛ يعني: بالإهمال: هذا نسخةٌ، وعليها علامة راويها في أصلنا، قال ابن قُرقُول بعد أن ذكر الاختلاف فيها: (والمعروف «العُشَيْرَة»، كذا ذكر ابن إسحاق، وهي من أرض بني مُدْلِج، قال القاضي: الموضع الذي يقال له: العَسيرة أو العَشِير(1) من غير «ذات»، وكذا ذكره البُخاريُّ وابن إسحاق ولم يذكرا «ذات»)، انتهى، وعن القاضي عياض: (هو بالمهملة: غزوة تبوك، وبالمعجمة: غزوة بني مُدْلِج، وسُمِّيت العسيرة؛ لمشقَّة السير فيها؛ لأنَّها كانت زمنَ الحَرِّ، ووقتَ طِيب الثمار، ومفارقة الظلال، وكانت في مفاوز صعبة)، انتهى، وفي «النِّهاية»: (ذكر غزوة العُشَيرة، ويقال: العُشَير، وذات العُشَيرة والعُشَير؛ وهو موضع من بطن يَنْبُع)، انتهى، وأُخبرتُ: أنَّ العشيرة هو منزل الحاجِّ المصريِّ بيَنْبُع، وأنَّ بينها وبين اليَنْبُع الطريق، وقال السهيليُّ: (يقال فيها: العُشيرة والعُشيراء، وبالسين المهملة أيضًا: العُسَيرة والعُسيراء، أخبرني بذلك الإمامُ الحافظ أبو بكر _يعني به: القاضي أبا بكر ابن العربي المالكيَّ_ وفي «البُخاريِّ»: «أنَّ قتادة سُئل عنها، فقال: العُشيرة» [خ¦3949]، ومعنى «العسيراء» أو «العسيرة»: أنَّه اسم مصغَّرٌ من «العُسرى» و«العسراء»، وإذا صُغِّر تصغير الترخيم؛ قيل: عُسيرة، وهي بقلةٌ تكون أذَنَة؛ أي: عصيفة، ثُمَّ تكون سِحاء، ثُمَّ يقال لها: العُسرى)، وأنشد بيتًا، وذكر كلامًا يسيرًا، ثُمَّ قال: (وأمَّا «العُشيرة»؛ بالشين المنقوطة؛ فواحدة «العَشْر»، مُصغَّرة)، انتهى.
          تنبيهٌ: في هذه الغزوة كنَّى النَّبيُّ صلعم عليًّا أبا تراب، كما رواه ابن إسحاق، وقد أخرجه أحمد في «المسند» من طريقه، فقال: حدَّثنا عليُّ بن بَحْر: حدَّثنا عيسى بن يونس: حدَّثنا محمَّد بن إسحاق: حدَّثنا يزيد بن محمَّد بن خُثيم المحاربيُّ عن محمَّد بن كعب القرظيِّ، عن محمَّد بن خثيم ابن أبي يزيد، عن عمَّار بن ياسر قال: (كنت أنا وعليٌّ رفيقين في غزوة العشيرة...)؛ فذكره، وفي «الصحيح»: أنَّه كنَّاه بذلك حين غَاضَبَ فاطمة فلم يَقِلْ عندها، فوجده ◙ نائمًا في المسجد، وقد لصق الترابُ بجنبه، فقال: «قم أبا تراب» [خ¦441]؛ فإن صحَّ أنَّه كنَّاه في هذه الغزوة، فإنَّ في سند حديث «المسند»: يزيد بن محمَّد بن خثيم، تفرَّد عنه ابن إسحاق، وقد وثَّقه ابن حبَّان، وفيه: محمَّد بن خثيم، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه» في ترجمته: (عن عمَّار بن ياسر، لعلَّه الأوَّل)؛ يعني به: (محمَّد بن خثيم، عن شدَّاد بن أوس، قال الأزديُّ: يتكلَّمون فيه)، قال الذَّهبيُّ: ([وإلَّا]؛ فلا يُدرَى مَن هو، وقد ذكره البُخاريُّ في «الضعفاء»)، ثُمَّ ذكر هذا الحديث، ثُمَّ قال: (قال البُخاريُّ: لا يُعرَف سماع يزيد بن محمَّدٍ مِن محمَّدٍ، ولا محمَّد مِن ابن خُثيم، ولا ابن خثيم مِن عمَّار) انتهى.
          وقد جمع بينهما السُّهيليُّ لمَّا ذكر حديث «السيرة» من عند ابن إسحاق، قال: (وأصحُّ من ذلك ما رواه البُخاريُّ...)؛ فذكره، وهذه العبارة تقتضي أن يكون ما في «السِّيرة» صحيحًا.
          وقد ذكر ابن قيِّم الجوزيَّة المكان الذي في «السِّيرة» من عند الدِّمياطيِّ، وتعقَّبه بالتغليط، وجعل قصَّة «الصَّحيح» هي الصَّحيحة، ولم يجمع بينهما، انتهى، وقد ذكرت لك كلام البُخاريِّ في ابن خثيم(2) عن الذَّهبيِّ، والله أعلم.
          ثُمَّ اعلم أنَّ العُشيرة كانت في أثناء جمادى الأولى من السَّنة الثَّانية، فأقام بها جمادى الأولى، وليالي من جمادى الآخرة، ووادَع فيها بني مُدْلِج وحلفاءهم من بني ضمرة، وقيل: إنَّ العشيرة في جمادى الآخرة، والله أعلم، وخرج ◙ إلى العشيرة في خمسين ومئة _وقيل: مئتين_ رجلًا، ومعهم ثلاثون بعيرًا يعتقبونها، واستخلف أبا سلمة، يعترض عيرًا لقريش ففاتته بأيَّام.
          قوله: (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه محمَّد بن إسحاق بن يسار، إمام أهل المغازي مترجمًا [خ¦1468]. /
          قوله: (أَوَّلَ مَا غَزَا رَسُولُ اللهِ(3) صلعم الأَبْوَاءَ): (أوَّلَ) في كلام ابن إسحاق بالنَّصْب، كذا في أصلنا، وعليها الآن (صح)، ويجوز في (أوَّل) الضمُّ، و(الأَبواء)؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ موحَّدة، ممدود الآخر: هي غزوة، وكان خرج ◙ إليها في صفر على رأس اثني عشر شهرًا من مَقْدَمِه المدينةَ لاثنتي عشرة ليلةً مضت من صفر، و(الأبواء): قرية من عمل الفُرع من المدينة، بينها وبين الجُحفة ممَّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، وكانت غَيبتهُ ◙ خمسَ عشرةَ(4) ليلة.
          قوله: (ثُمَّ بُوَاطَ): قال ابن قُرقُول: (بضمِّ الباء، [و]رويناه من طريق الأصيليِّ والمستملي والعُذريِّ بفتح الباء، والأوَّل أعرف؛ وهو جبل من جبال جُهينة، انتهى)، وبعد الموحَّدة واو مُخَفَّفة، وفي آخرها طاء مهملة، قال ابن إسحاق: في شهر ربيع الأوَّل؛ يعني: من السنة الثانية.
          قوله: (ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ): تَقَدَّم ضبطها، والكلام عليها قريبًا، ومتى كانت.


[1] كذا ضبطها في (أ) بالقلم، وضبطُها في المطبوع من «المشارق»: (العُشَيرَة) و(العُشَير).
[2] في (أ) (شداد)، وهو عارض أو سبق قلم؛ لأنه روى عنه، ولعل المثبت هو الصواب.
[3] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (النبيُّ).
[4] في (أ): (خمسة عشر).