التلقيح لفهم قارئ الصحيح

كتاب الأذان

          ░░10▒▒ (بَابُ بَدْءِ الأَذَانِ)... إلى (بَاب مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ)
          (بَدْءِ): هو بفتح المُوَحَّدة، وإسكان الدَّال المهملة، مهموز(1)؛ أي: ابتداء، وكذا هو في أصلنا بالقلم، وكذا في أصلنا الدِّمشقيِّ.
          فائدة: كان بدءُ الأذان في السَّنة الأولى من الهجرة، وقيل: في الثانية، ذكره مُغُلْطاي في «سيرته الصُّغرى»، [وكذا شيخنا العراقيُّ في «سيرته المنظومة»](2)، وقال ابن عبَّاس: الأذان نزل مع الصَّلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة:9]، مع أنَّه رُوِي: أنَّ الأذان كان ليلة الإسراء، كما ذكره أحمد بن فارس وغيرُه مُطَوَّلًا، وقد ذكره السُّهيليُّ في «روضه» بسنده إلى البزَّار أبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، فقال: (حدَّثنا مُحَمَّد _وهو ابن عثمان بن مخلد_: حدَّثنا أبي عن زياد بن المنذر، عن مُحَمَّد بن عليِّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ...) فذكره، ومال السُّهيليُّ إلى صحَّته؛ لمِا يعضده ويشاكله من أحاديث الإسراء، وينبغي لك أن تراجع «الرَّوض»، ثمَّ اعلم أنَّ الحديث الذي(3) ساقه السُّهيليُّ من عند البزَّار في سنده زيادُ بن المنذر(4)، وهو كذَّاب، له ترجمة في «الميزان»، فانظرها إنْ أردت، وقد خرَّج له التِّرمذيُّ، نعم؛ قد جاء في بعض طرق حديث إمامة جبريل بالنَّبيِّ صلعم: (أنَّه أَتَى النَّبيَّ صلعم بمكَّة حين زالت الشمس، وأمره أن يُؤذِن النَّاسَ بالصَّلاة حين فُرِضَت عليهم...) الحديث، أخرجه الدَّارقطنيُّ من حديث أنس ☺ [خ¦1011]، قال المُحبُّ الطَّبريُّ في «أحكامه»: (ومعنى الأمر بالأذان ههنا: الإعلامُ، لا الأذان المعروف؛ لأنَّه إنَّما شُرِع بالمدينة، وكانت هذه الصَّلاة بمكَّة)، انتهى، وقد ذكره كذلك مرَّةً أخرى في (باب الأذان)، انتهى.
          و(الأذان): الإعلامُ لغةً، وشرعًا: الإعلام بدخول وقت الصَّلاة المكتوبة.
          فائدة ثانية: ممَّا يُسأَل عنها كثيرًا، فيقال: هل أذَّن صلعم؟ وجوابه: روى التِّرمذيُّ في «جامعه» من طريق تدورُ على عمرَ ابن الرَّمَّاح، قاضي بلخ، يرفعه إلى أبي هريرة ☺: أنَّ النَّبيَّ صلعم أذَّن في سفره، وصلَّى بأصحابه وهم على رواحلهم، السَّماءُ مِن فوقهم والبِلَّةُ مِن أسفلهم، نزع بعض الناس بهذا الحديث إلى أنَّه ╕ أذَّن بنفسه، ورواه الدَّارقطنيُّ بإسناد التِّرمذيِّ ووافقه في إسنادٍ ومتنٍ، لكنَّه قال: (فقام المُؤذِّن فأَذَّن)، ولم يقل: (أذَّن رسول الله صلعم)، والمُفصَّل يقضي على المُجمَل، فالله(5) المستعان، قاله السُّهيليُّ، وهو متعقَّبٌ، وذلك أنَّ التِّرمذيَّ والدَّارقطنيَّ لم يروياه من حديث أبي هريرة، بل من حديث يعلى بن مرَّة، والله أعلم.
          وأمَّا عمر ابن الرَّمَّاح؛ فهو عمر بن ميمون ابن الرَّمَّاح، وقد وثَّقه ابنُ مَعِين وأبو داود، ولا أعلم أحدًا جرحه، وعقَّبَ التِّرمذيُّ الحديثَ بقوله: (غريب، تفرَّد به عمر ابن الرَّمَّاح البلخيُّ، لا يُعرَف إلَّا مِن حديثه)، انتهى، ولمَّا ذكره النَّوويُّ في «شرح المُهذَّب»، قال: (وقد ثبت...) فذكر الحديث، وقال في «الخلاصة»: (إنَّه حديث صحيح) انتهى.
          فائدة ثالثة: أصل مشروعيَّة الأذان والإقامة(6): رؤيا عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربِّه، أبي مُحَمَّد، الخزرجيِّ الحارثيِّ، بدريٌّ ☺، / وحديث رؤياه في «أبي داود»، و«التِّرمذيِّ»، و«النَّسائيِّ»، و«المُستدرَك» وغيرِه، فوافق ما رآه ╕ تلك اللَّيلة، كما تقدَّم، واقتضت الحكمة الإلهيَّة أن يكون الأذان على لسان غيرِه مِن المؤمنين؛ لما فيه من التنويه من الله بعبده، والرَّفعِ لذكره، والتَّفخيم لشأنه، قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[الشرح:4[قال القرطبيُّ في «تفسيره»: (إنَّ عبد الله بن زيد لمَّا تُوُفِّيَ ╕ قال: «اللَّهمَّ أَعْمِنِي حتَّى لا أرى ما بعد نبيِّك»، فعمي مِن ساعته)، وقد قدَّمته في العميان أوَّل التعليق في حديث ورقة](7) [خ¦3].
          تنبيهٌ: وقد رآه أيضًا عمر بن الخطَّاب ☺، قال مُغُلطاي: (وفي كتب الفقهاء: أنَّه رآه سبعةٌ من الصَّحابة).
          غريبةٌ: قال الصَّائن(8) الجيليُّ في «شرح التَّنبيه» له: (إنَّه رآه أربعةَ(9) عشرَ من الصَّحابة)، انتهى.
          تنبيهٌ: هذا الشَّرح الذي للصَّائن شرحٌ مفيدٌ معروفٌ إلَّا أنَّه لا يجوز الاعتماد على ما فيه مِن النُّقول، كما قاله أبو عمرو بن الصَّلاح والنَّوويُّ وابن دقيق العيد الشَّيخُ تقيُّ الدين، وسببه _على ما حكاه بعضُ شيوخِ شيوخِ شيوخنا_: أنَّ بعضَ مَن عاصره حسده عليه، فدسَّ فيه نقولًا غيرَ صحيحة، فأفسد الكتاب(10)، وهذا هو الظَّاهر، وإلَّا؛ فكيف يُظَنُّ الإقدام على مثل ذلك مِن أحدٍ مِن أهل العلم _خصوصًا في تصنيفٍ له_ عالمًا بأنَّ ذلك لا بدَّ أن يظهر على طول الزَّمان، والله أعلم.
          وفي «وسيط الغزاليِّ»: (أنَّه رآه بضعةَ عشرَ مِن الصَّحابة؛ كلُّهم(11) رأى مثل ذلك)، قال شيخنا الشَّارح في «تخريج أحاديث الوسيط»: (قوله: ثمَّ رآه بضعةَ عشرَ مِن الصَّحابة... إلى آخره؛ أنكره عليه ابن الصَّلاح، فقال: «لم أجد هذا بعد إمعان البحث»، وتبعه النَّوويُّ في «تنقيحه» فقال: «هذا ليس بثابتٍ ولا معروفٍ، وإنَّما الثَّابتُ خروجُ عمر يجرُّ رداءَه»)، قال شيخنا في المكان المشار إليه: (وفي «الطَّبرانيِّ الأوسط»: أنَّ أبا بكر الصِّدِّيق رآه أيضًا) انتهى.


[1] (مهموز): جاء في (ب) في غير موضعه.
[2] ما بين معقوفين سقط من (ج)، قال العراقيُّ في «ألفية السيرة النبوية» (ص71▒: [من الرجز]
وَكَانَ أَمْرُ الْبَدْءِ بِالأَذَانِ


رُؤْيَا ابْنِ زَيْدٍ أَوْ لِعَامٍ ثَانِ

[3] (الذي): سقط من (ب).
[4] كتب في هامش (أ) بخطٍّ مغايرٍ: (قال ابن حِبَّان: «رافضيٌّ يضع المثالب والمناقب»، لمحرِّره أبي الوفاء العرضيِّ)، انظر قول ابن حبَّان في «المجروحين» ░1/302▒.
[5] في (ب): (والله).
[6] (والإقامة): سقط من (ج).
[7] زيد في (ب): (انتهى)، وما بين معقوفين سقط من (ج).
[8] في (ب): (الصاني)، وكذا في الموضع اللَّاحق، وهو تصحيفٌ، وكتابه: «الموُضِّح في شرح التنبيه» مخطوط من جزءان في الظاهرة ░62/أ).
[9] في (ب): (أحد)، والمثبت موافق لما في مخطوطة «الموضح».
[10] (الكتاب): سقط من (ب).
[11] (كلهم): سقط من (ب).