التلقيح لفهم قارئ الصحيح

قصة أهل نجران

          قوله: (قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرَانَ): اعلم أنَّ ابن سيِّد النَّاس بعد أن فرغ من دخول بني هاشم في الشِّعب، وقبل ذكر وفاة خديجة قال: (قال ابن إسحاق: ثُمَّ قدم على رسول الله صلعم وهو بمَكَّة عشرون رجلًا أو قريبٌ من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة...) إلى أن قال: (ويقال: إنَّ النفر من النصارى من أهل نَجْران، ويقال: فيهم نزلت: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} / ... إلى قوله: {الْجَاهِلِينَ}[القصص:52-55]، وقال الزُّهريُّ: ما زلت أسمع من علمائنا أنَّهنَّ نزلن في النَّجاشيِّ وأصحابِه، انتهى.
          هذا بمَكَّة، وأمَّا بالمدينة؛ فقال: (وقال ابن إسحاق: إنَّ أهل نجران كانوا ستِّين راكبًا، فيهم أربعة عشر من أشرافهم، من الأربعة عشر ثلاثة إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، واسمه عبد المسيح، والسيِّد ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أُسقفُّهم وحَـِبرهم وإمامهم...) إلى أن قال: (وكانت تسمية الأربعة عشر: العاقب، والسيد، وأبو حارثة، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبَيه(1)، وخُويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويَحنس(2)، وهذا مراد البُخاريِّ لا الأوَّل؛ أعني: الستِّين الذين أتَوا المدينة، وقد رأيت في كتاب «[كشف الدسائس] في هدم الكنائس» للإمام العلَّامة تقيِّ الدين أبي الحسن السبكيِّ الشافعيِّ ما لفظه: (عن ابن سعد: فلم يلبث السيِّد والعاقب إلَّا يسيرًا حتَّى رجعا إلى النَّبيِّ صلعم، فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب)، انتهى، ولم أرَ أنا مَن ذكرهما في الصَّحابة، وكذا عزا شيخنا إلى ابن سعد: أنَّ السيِّد والعاقب رجعا فأسلما، والله أعلم.
          و(نَجْران)؛ بفتح النون، وإسكان الجيم: بلدة معروفة، كانت منزلًا للنصارى، وهي بين مَكَّة واليمن، على نحو سبع مراحل من مَكَّة، وليست من الحجاز الذي هو مَكَّة والمدينة واليمامة ومخاليفُها، وفي كلام أبي بكر الحازميِّ: أنَّ نَجْران من مخاليف مَكَّة من صوب اليمن تساهلٌ، وصرَّح الجوهريُّ بأنَّ (نَجْران) بلد باليمن، انتهى.
          وفي «صحيح مسلم» في (المناقب): أنَّ أهل اليمن قدموا على رسول الله صلعم، فقالوا: ابعث معنا رجلًا يعلِّمنا السُّنَّة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال: «هذا أمين هذه الأمَّة»، ففي هذا أنَّ نَجْران من اليمن، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (نَبيه).
[2] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (يُحَنَّس).