التلقيح لفهم قارئ الصحيح

كتاب المغازي

          ░░64▒▒ (بابُ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ)... إلى (حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)، وضمن هذا (غزوة بدر).
          تنبيهٌ: ذكر في أوَّل (كتاب الجهاد) أوَّل آية أنزلت في الإذن بالقتال، وذكرت فيها قولين: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}... الآية[الحج:39]، أو {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}... الآية[التوبة:111]، والله أعلم [خ¦56/1-4356].
          اعلم أنَّه صلعم غزا بنفسه سبعًا وعشرين غزوة فيما قاله غير واحد، وكانت سراياه التي يبعث فيها سبعًا وأربعين سريَّة، وقال بعض الحُفَّاظ العلماء: (وغزواته ◙ بنفسه: خمس وعشرون غزوة، وقيل: سبع وعشرون، وسراياه: ستٌّ وخمسون)، وقيل غير ذلك، انتهى، وقد عدَّدها ابن الجوزيِّ أبو الفرج الحافظ في أوَّل «تلقيحه»، ثُمَّ قال في آخر ذلك: (فهذه سبع وعشرون غزاة، وستٌّ وخمسون سريَّة).
          وقال السُّهيليُّ ما لفظُه: (وذكر ابن إسحاق عدَّة الغزوات، وهي ستٌّ وعشرون، وقال الواقديُّ: كانت سبعًا وعشرين، وإنَّما جاء الخلاف؛ لأنَّ غزوة خيبر اتَّصلت بغزوة وادي القرى، فجعلهما بعضُهم غزوةً واحدةً، وأمَّا البعوث والسرايا؛ فقيل: ستٌّ وثلاثون، كما في الكتاب _يعني: «سيرة ابن هشام»_، وقيل: ثمان وأربعون، وهو قول الواقديِّ، ونسب المسعوديُّ إلى بعضهم: أنَّ البعوث والسرايا كانت ستِّين، وقاتل رسول الله صلعم في تسع غزوات، وقال الواقديُّ: في إحدى عشرة؛ منها: الغابة، ووادي القرى، والله أعلم)، انتهى، والتسع التي أشار إليها السُّهيليُّ: بدر القتال، وأُحُد، والمُريسيع، والخندق، وقُريظة، وخيبر، وفتح مكَّة، وحُنين، والطائف، وفي بعض رواياتهم: أنَّه قاتل في بني النضير، وقاتل في غزاة وادي القرى مُنصرَفَه من خيبر، وقاتل في الغابة.
          تنبيهٌ: لا يفهم من قولهم: (قاتل في كذا، وفي كذا) أنَّه قاتل بنفسه، كما فهمه بعضُ الطلبة ممَّن لا اطِّلاع له على أحواله ◙، ولا يُعلَم [أنَّه] قاتَلَ بنفسه في غزاةٍ إلَّا في أُحُد فقط، ولا يُعلَم أنَّه ضرب أحدًا بيده إلَّا أُبيَّ بن خلف في أُحُد، فإنَّه ضربه بحربة في يده؛ فاعلمه، كذا قال أبو العبَّاس ابن تيمية في «الردِّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ»، انتهى.
          وفي «سيرة مغلطاي الصغرى» في (الطائف): (أنَّه قاتل فيها بنفسه)، انتهى، وفي كلام ابن إسحاق: أنَّه ◙ رمى بقوسه يوم أُحُد حتَّى بقيت شظايا، وأنَّه أعطى فاطمة سيفه يوم أُحُد، فقال: «اغسلي عنه دمه»، فهو من كلام ابن إسحاق، انتهى، ولكن في الحديث: (كنَّا إذا لقينا كتيبة أو جيشًا؛ أوَّل من يَضْربُ النَّبيُّ صلعم)، وهذا يحتمل التأويل، وقال شيخنا ابن الملقِّن في شرحه لهذا الكتاب: (قلت: وتنتهي _يعني: السرايا_ بالتأمُّل إن شاء الله المجموعُ فوق المئة، كما سيمرُّ بك في هذا الشرح المبارك)، انتهى.
          وقال شيخنا العراقيُّ في «سيرته المنظومة»: [من الرجز]
          إِنَّ السَّرَايَا والبُعُوثَ سِتُّون وعدَّدها إحدى وستين، ثُمَّ ذكر في آخر السرايا: أنَّ ابن نصر _يعني فيما أظنُّه: محمَّد بن نصر المروزيَّ_ ذكرها سبعين، وأنَّ في «الإكليل» عدَّها فوق المئة، انتهى.
          فإن قلت: هذا الذي ذكره البُخاريُّ في هذا «الصحيح» دون ذلك في الغزوات والسرايا بكثير؟
          وجوابُه: أنَّ هذا القدر رواه البُخاريُّ على شرطه، قال شيخنا العراقيُّ في «سيرته» ما لفظه: [من الرجز]
وَلْيَعْلَمِ الطَّالِبُ أَنَّ السِّيَرَا                     تَجْمَعُ مَا صَحَّ وَمَا قَدْ أُنْكِرَا
وَالقَصْدُ ذِكْرُ مَا أَتَى أَهْلُ السِّيَرْ                     بِهِ وَإِنْ إِسْنَادُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ