التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة أنمار

          قوله: (بابٌُ غَزْوَةُِ أَنْمَارٍ): ذكر بعد ذلك حديث الإفك، والذي يظهر أنَّ ذِكره حديث الإفك في غزوة بني المُصْطَلِق هو الظَّاهر؛ لأنَّه اتفق فيها، وأمَّا أنمار؛ فقال ابن سعد: (قالوا: قدم قادمٌ المدينةَ بجَلَبٍ له، فأخبر أصحاب رسول الله صلعم أنَّ أنمار وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع، فبلغ ذلك رسولَ الله صلعم، فخرج ليلة السبت لعشرٍ خلون من المحرَّم في أربع مئة من أصحابِه، ويقال: سبع مئة، فمضى حتَّى أتى محالَّهم بذات الرقاع، فلم يجد في محالِّهم إلَّا نسوةً...)؛ الحديث، والله أعلم، وهذه غزوة ذات الرِّقاع، وقال مغلطاي: (ثُمَّ غزا غطفان إلى نجد لثنتي عشرة مضت من ربيع الأوَّل في أربع مئة وخمسين فارسًا، واستخلف عثمان، وقال ابن إسحاق: «في صفر، وهي غزوة ذي أَمَر»، وسمَّاها الحاكم: «غزوة أنمار»، وذلك أنَّ جمعًا من بني ثعلبة ومحارب تجمَّعوا يريدون الإغارة، وعليهم دعثور بن الحارث المحاربيُّ...) إلى آخر القصَّة، ودعثور ذكروه في ذات الرقاع كما تَقَدَّم، وهو تصحيف من غورث كما تَقَدَّم [خ¦4135]، وفي «مسلم» وغيره عن أبي الزُّبَير، عن جابر: (أرسلني رسولُ الله صلعم وهو منطلق إلى بني المُصْطَلِق، فأتيته وهو يصلِّي على بعيره، فقال لي بيده هكذا _فأومأ زهير أيضًا بيده نحو الأرض_ وأنا أسمعه يقرأُ، يومئ برأسه، فلمَّا فرغ قال: «ما فعلتَ في الذي أرسلتُك له؟ فإنَّه لم يمنعني أن أكلِّمك إلَّا أنِّي كنت أصلي...»)؛ الحديث، وفي «أبي داود»: (أرسلني إلى بني المُصْطَلِق)، فلعلَّ البُخاريَّ أراد هذه الغزوة، وهي غزوة بني المُصْطَلِق، غير أنَّه قال جابر: إنَّها غزوة أنمار، فلمَّا كانت هذه القصَّة تشبه القصَّة التي ذكرها جابر وسمَّاها ههنا غزوة أنمار؛ ذكرها بعد (غزوة بني المُصْطَلِق) بترجمةٍ وحدَها، وفَصَلَ بها بين (غزوة بني المُصْطَلِق) و(حديث الإفك)، والله أعلم.
          وقال شيخنا البُلقينيُّ في «مناسباته» لـ«البخاريِّ»، قال قبل «حديث الإفك»: («باب غزوة أنمار»، ولم أرَ من تعرَّض لها من أصحاب المغازي، ولم يذكر فيها البُخاريُّ إلَّا حديث جابر: «أنَّه رآه ◙ وهو يصلي على راحلته في غزوة أنمار متوجِّهًا قِبَل المشرق» [خ¦4140])؛ انتهى، ولمَّا قَدِم شيخنا العلَّامة البلقينيُّ لحلب القَدْمة الأولى سألته عن وجه تخريج البُخاريِّ لهذا الحديث هنا؟ وما هي غزوة أنمار؟ فما أجاب، وقد راجع بحضوري «المناسبات» التي له مؤلَّفَه فوجد قد أخلى لذلك بياضًا، والله أعلم بما أراد البُخاريُّ.
          وقد ذكر البُخاريُّ في (غزوة ذات الرقاع) بعد حديث جابر من طريق أبي الزُّبَير المعلَّق: (كنا مع النَّبيِّ صلعم بنخل...)؛ فذكر حديث (صلاة الخوف)، ثُمَّ قال: (تابعه اللَّيْث عن هشام، عن زيد بن أسلم: أنَّ القاسم بن محمَّد حدَّثه: صلَّى النَّبيُّ صلعم في غزوة بني أنمار) [خ¦4130]، انتهى.