التلقيح لفهم قارئ الصحيح

كتاب الجنائز

          ░░23▒▒ (كِتَابُ الْجَنَائِزِ)...إلى (بَاب نَقْضِ شَعْر المَرْأَةِ)
          (الْجَنَائِز): بفتح الجيم، بلا خلاف، جمع (جَـِنَازة)؛ بكسر الجيم وفتحها، اسمٌ للميِّت والسَّرير، وقيل: للميِّت بالفتح، وللسَّرير بالكسر، وقيل: بالعكس.
          فائدةٌ: سُئلتُ: متى صلَّى النَّبيُّ الله عليه وسلم على الجنائز _يعني أوَّل ما صلَّى
          فأجبتُ(1): ولم أرَ في المسألة نقلًا غيرَ أنَّه صلعم صلَّى على قبر البراء بن معرور بعد شهرٍ من وفاته والمَقْدَم، وهذا لا أعلم أنَّه صلَّى على أحدٍ قبله، وقد روى صلاته على البراء البيهقيُّ من رواية أبي مُحَمَّد بن معبد بن أبي قتادة، قال: (وهو مُرسَل)، قال: (ورُوِي هكذا بزيادة: «عن أبيه» موصولًا بدون التَّأقيت)، قال: (ورُوِي: «بعد موته بسَنَةٍ»، والصَّواب: الأوَّل)، انتهى.
          و(البراء) هذا: تُوُفِّيَ _كما قاله إبن اسحاق، كما نقله أبو عمر في «الاستيعاب»_ قبلَ قدومه صلعم المدينةَ.
          وقال غيره: مات في صفر قبل قدوم النَّبيِّ صلعم المدينة بشهر، فلمَّا قدِم(2) رسولُ الله صلعم؛ أتى قبره في أصحابه، فكبَّر عليه وصلَّى، انتهى، فعلى هذا: صلاتُه صلعم على الجنازة في أوَّل الشهر الثاني، أو في آخر الشَّهر الأوَّل من المَقدَم، والله أعلم.
          قوله: (وَمَنْ كَانَ آخِرَُ كَلَامِهِ): (آخر): يجوز فيه الرَّفع والنَّصب، أمَّا الرفع؛ فلأنَّه اسم (كان)، و(لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ): الخبر، أو على أنَّه الخبرُ، فيكون منصوبًا، و(لا إله إلَّا الله): الاسم.
          قوله: (وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ): (وَهْب بن مُنبِّه) هذا: صنعانيٌّ، أخو همَّام، يروي عن ابن عبَّاسٍ وابنِ عُمر، وعنه: آلُه وسِمَاك بن الفضل، وكان أخباريًّا، علَّامةً، قاصًّا، صدوقًا، صاحب كتب، و(مُنبِّه): اسم فاعل من (نبَّه)، من الانتباه، تُوُفِّيَ سنة ░114هـ▒، أخرج له البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان».
          قوله: (أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِفْتَاحَُ الْجَنَّةِ؟): (مفتاح): يجوز نصبه على أنَّه خبر (ليس)، و(لا إله إلَّا الله): الاسم، ويجوز رفعه، و(لا إله إلَّا الله): خبر مُقدَّم.
          قوله: (لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ): (الأسنان)؛ بفتح الهمزة، وهذا غاية في الظُّهور، ويجوز أن يُجمَع (السِّنُّ) على (أسنَّة) أيضًا؛ مثل: (قِنٍّ، وأقنان، وأقِنَّة)، وتصغير (السِّنِّ): سُنينة؛ لأنَّها تُؤنَّث، قال الجوهريُّ: (السِّنُّ: واحد الأسنان...) إلى أن قال: (وتصغير «السِّنِّ»: سُنَينَة؛ لأنَّها تُؤنَّث). /
          فائدةٌ: كلامُ وهبٍ هذا وقع حديثًا مرفوعًا رواه البيهقيُّ _كما قاله شيخنا_ من حديث معاذ ابن جبل ☺: أنَّ رسول الله صلعم قال له حين بعثه إلى اليمن: «إنَّك ستأتي قومًا أهل كتابٍ، فيسألونك عن مِفتاح الجنَّة، فقل: شهادة أن لا إله إلَّا الله، ولكن مفتاحٌ بلا أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنانٌ؛ فُتِح لك، وإلَّا؛ لم يُفتَح لك»، انتهى، وكذا عزاه القرطبيُّ في «تذكرته» انتهى، وقد ذكر السُّهيليُّ في أواخر «روضه» ما لفظه: (وممَّا وقع في السِّيرة من حديث العلاء _يعني: ابن الحضرميِّ_(3) قولُ النَّبيِّ صلعم: «إذا سُئِلتَ عن مفتاح الجنَّة؛ فقل: مفتاحها لا إله إلَّا الله»)، ثمَّ ذكر ما ذكره البخاريُّ عن وهب، وعزاه إلى «البخاريِّ»، ثمَّ قال: (وفي رواية غيره _يعني: غيرَ البخاريِّ_: أنَّ ابن عبَّاس ☻ ذُكِر له قولُ وهبٍ، فقال: صدَق والله، وأنا أخبركم عن الأسنان ما هي، فذكر الصَّلاةَ، والزَّكاة، وشرائعَ الإسلام)، انتهى، وفي «التذكرة» للقرطبيِّ: (الأسنان: عبارة عن توحيد الله تعالى وعن عبادته جميعًا، وعن توحيد الله أيضًا فقط، قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}[البقرة:25]، وقال(4) تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}[الكهف:107]، وهو كثيرٌ في القرآن؛ الإيمانُ مع العمل...) إلى آخر كلامه.
          فائدةٌ: روى عبد الله بن مَعقِل: كان وهب بن مُنبِّه جالسًا في مجلس ابن عبَّاس، فسُئِل: أليس تقول: إنَّ مفتاح الجنَّة لا إله إلَّا الله؟ قال: بلى؛ وجدت في التَّوراة: (ولكنِ اتَّخذوا له أسنانًا)، فسمع ذلك ابنُ عبَّاس فقال: (أسنانه والله عندي؛ أوَّلها: شهادةُ أن لا إله إلَّا الله، وهو المفتاح، والثَّاني: الصَّلاة، وهو القنطرة، والثَّالث: الزَّكاة، وهي الطَّهور، والرابع: الصَّوم، وهو الجُنَّة، والخامس: الجهاد، والسَّادس: الأمر بالمعروف، وهو الأُلْفة، والسَّابع: الطَّاعة، وهي العصمة، والثَّامن: الغُسْل من الجنابة، وهي السَّريرة، وقد خاب مَن لا سنَّ(5) له، هذا والله أسنانُها)، أفاده شيخنا، انتهى، وقد تقدَّم أعلاه ما ذكره السُّهيليُّ عن ابن عبَّاس في كلام وهب.
          وقد ذكر الحسن(6) بن عرفة بإسناده عن معاذ بن جبل ☺ قال: قال لي رسول الله صلعم: «مفتاح الجنَّة شهادةُ أن لا إله إلَّا الله»، ورواه الإمام أحمد في «مسنده»، ولفظه: «مفتاح الجنَّة شهادة(7) أن لا إله إلَّا الله».
          فائدةٌ: جعل الله سبحانه وتعالى لكلِّ مطلوب مفتاحًا يُفتَح به، فجعل مفتاحَ الصَّلاة الطَّهورَ، ومفتاحَ الحجِّ الإحرامَ، ومفتاحَ البِرِّ الصِّدقَ، ومفتاحَ الجنَّة التَّوحيدَ، وقد ذكر ابن قيِّم الجوزيَّة في «حادي الأرواح» مفاتيحَ الخير(8) والشَّرِّ، فإن أردته؛ فانظره من(9) «حادي الأرواح».


[1] في (ب): (فأجيبت)، وهو تحريف.
[2] زيد في (ب): (المدينة).
[3] زيد في (ب): (من)، وضرب عليها في: (ج).
[4] في (ب): (وقوله).
[5] في (أ) و(ج): (سرَّ)، وفي (ب): (ستر)، ولعلَّ المثبت من «التوضيح» هو الصواب.
[6] زيد في (ب): (ابن).
[7] (شهادة): سقط من (ب)، وانظر «مسند أحمد» ░22102▒، وفيه: (مفاتيح الجنة).
[8] في (ج): (للخير).
[9] في (ج): (في)، انظر «حادي الأرواح» (ص48▒.