التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب حجة الوداع

          (بابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ)... إلى (بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ)
          اعلم أنَّه صلعم لم يحجَّ من حين هاجر إلى المدينة غير هذه المرَّة، هذا لا خلاف فيه، ولا خلاف أنَّها كانت سنة عشر، واختُلف؛ هل حجَّ قبل الهجرة؟ في «التِّرْمِذيِّ» عن جابر: (أنَّه حجَّ ◙ ثلاث مرَّات؛ حجَّتين قبل أن يهاجر، وحجَّة بعدما هاجر)، استغربه التِّرْمِذيُّ، وفي «ابن ماجه» عن الحكم عن مقسم عن ابن عبَّاس: (أنَّه ◙ حجَّ ثلاث حجج؛ حجَّتين قبل أن يهاجر...)؛ الحديث، أخرجه في (الحجِّ)، وهو في «المستدرك» على شرط مسلم، وسيأتي قريبًا في هذا «الصحيح» من كلام أبي إسحاق _هو السَّبِيعيُّ عَمرو بن عبد الله_: (أنَّه حجَّ ◙ وهو بمَكَّة أخرى) [خ¦4404].
          وقال الإمام في «النِّهاية»: (إنَّ النَّبيَّ صلعم كان يحجُّ قبل الهجرة كلَّ سَنَة، قال: واختلف أصحابنا؛ هل كان الحجُّ واجبًا قبل الهجرة؟ على وجهين)، انتهى، وقد ذكرتُ في (كتاب الحجِّ) الجملة الثانية [خ¦1513]، وهي والأُولى غريبتان.
          وقال أبو الفرج ابن الجوزيِّ في «مثير الغرام(1) الساكن»: (وقد حجَّ صلعم حججًا قبل النبوَّة وبعدها لا يعرف عددُها)، انتهى.
          وفي «المستدرك» في آخر (المغازي) قبل (فضل أبي بكر) عن الثوريِّ: (أنَّه ◙ قبل أن يهاجر حجَّ حججًا، وحجَّ بعدما هاجر حَجَّة الوداع).
          تنبيهٌ: حجَّ معه حجَّة الوداع أربعون ألفًا، كذا رُوِّيناه عن أبي زرعة الرازيِّ، وقال السهيليُّ في (الإسراء) في «روضه»: (وحجَّ معه ذلك العام نحوٌ من سبعين ألفًا من المسلمين)، انتهى.
          وقد تُوُفِّيَ صلعم عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا ممَّن روى عنه وسمع منه، فيما قاله أبو زرعة أيضًا، وقال شيخنا العراقيُّ في «سيرته»: إنَّهم في حجَّة الوداع كانوا أربعين ألفًا وما معناه: أنَّهم كانوا مئة ألف وعشرين ألفًا، وفي «سيرة مغلطاي»: تسعون ألفًا، ويقال: مئة وأربعة عشر ألفًا، ويقال: أكثر من ذلك، فيما حكاه البَيهَقيُّ.
          تنبيهٌ: كان ينبغي لشيخ الإسلام البُخاريِّ أن يقدِّم غزوة تبوك على حجَّة الوداع كعادته في ذلك؛ لأنَّ تبوك في التاسعة، والوداع في العاشرة، فكأنَّه لمَّا ذكر حجَّ أبي بكر، وهو في التاسعة، [و]ذكر الوفود، وهو في التاسعة؛ استطرد حجَّة الوداع، ثُمَّ ذكر بعدها تبوك، وهذا جوابٌ غير مرضيٍّ، ومقتضى الاستطراد أن يذكر تبوك مع ما ذكر، لا بعد ذلك، والله أعلم.
          واعلم أنَّه صلعم ساق معه ثلاثًا وستِّين بدنةً هديًا، كما رواه التِّرْمِذيُّ، وجاء عليٌّ معه بتكملة المئة، والظاهر أنَّه ◙ نحر ما ساقه معه من الهدي الذي جاء معه، وأعطى عليًّا البدن التي جاءت معه من اليمن، وهي تكملة المئة، فنحرها، وإنَّما نحر ثلاثًا وستِّين؛ إشارة إلى سني حياته ◙، وإنَّما قيل لها: حجَّة الوداع؛ لأنَّه ودَّعهم فيها، وتُسمَّى حجَّةَ البلاغ؛ لقوله: «هل بلَّغت؟»، وحجَّةَ الإسلام؛ إذ لا مشرك فيها.


[1] في (أ): (العرم) والمثبت هو الصواب.