التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب حديث بنى النضير

          (بابُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)... إلى (بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ)
          تنبيهٌ: سيأتي تعقُّبٌ في جعلِ حديث بني النضِير هنا قريبًا؛ فانظره.
          تنبيهٌ ثانٍ: قال مغلطاي في «سيرته الصغرى» في غزوة بني قينقاع: (هذه وغزوة بني النضير واحدة، وربما اشتبها على مَن لا يتأمَّل)، انتهى، وأهل المغازي عملوهما اثنتين.
          قوله: (بَنِي النَّضِيرِ): هو بفتح النون، وكسر الضاد المعجمة؛ حيٌّ من اليهود دخلوا في العرب، وهم على نسبهم إلى هارون أخي موسى ♂، وقريظة والنضير أخوان.
          قوله: (وَمَخْرَجُِ رَسُولِ اللهِ صلعم إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ...) إلى آخر الترجمة، هكذا ترجم، ولم يسنده اكتفاءً بشهرته في السير، والرجلان هما من بني عامر، وقال ابن هشام: (ثُمَّ من بني كلاب، وذكر أبو عَمرو المزنيُّ: أنَّهما من بني سُلَيم).
          وقصتهما: أنَّ عَمرو بن أميَّة الضَّمريَّ في وقعة بئر معونة أُخذ أسيرًا، فأخبرهم أنَّه من مضر، فأخذه عامر بن الطُّفيل، وجزَّ ناصيته، وأعتقه عن رَقَبة زعم أنَّها كانت على أمِّه، فخرج عمرو بن أميَّة حتَّى إذا كان بالقَرْقَرة من صدر قناةَ؛ أقبل رجلان من بني عامر حتَّى نزلا معه في ظلٍّ هو فيه، فكان مع العامريَّين عقدٌ من رسول الله صلعم وجوارٌ ولم يَعلم عمرو بن أميَّة، وقد سألهما حين نزلا: ممَّن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتَّى إذا نامَا؛ عدا عليهما، وهو يرى أنْ قد أصاب بهما ثُؤْرةً من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلعم، فلمَّا قَدِم عمرو بن أميَّة على رسول الله صلعم، فأخبره الخبر؛ قال رسول الله صلعم: «لقد قتلت قتيلين لأَدِينَّهما»، فخرج ◙ إلى بني النَّضير ليستعينهم في دية ذينك الرجلين اللَّذين قتلَ عمرو بن أميَّة للجوار الذي كان ◙ عقدَ لهما، وكان بين بني عامر وبني النَّضير عقدٌ وحِلفٌ، هذا السبب عند ابن إسحاق، وقال موسى بن عقبة: (وكانوا قد دسُّوا إلى قريش في قتال رسول الله صلعم، فحضُّوهم على القتال، ودلُّوهم على العورة)، والله أعلم.
          قوله: (قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ عُرْوَةَ: فكَانَتْ(1) عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ...) إلى أن قال: (وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ): اعلم أنَّ غزوة بني النضير عند ابن إسحاق في شهر ربيع الأوَّل على رأس خمسة أشهر من وقعة أُحُد، وبئر معونة عند ابن إسحاق في صفر على رأس أربعة أشهر من أُحُد، فبئر معونة قبل غزوة بني النضير عند ابن إسحاق، وكذا نقله عنه البُخاريُّ، لكنَّ البُخاريَّ لم يذكر بكم بئر معونة عند ابن إسحاق قبل غزوة بني النضير، وقد ذكرتُ لك أنَّها عنده قبل غزوة بني النضير بشهر، والله أعلم.
          وقال شيخنا: (إنَّ عَبْد بن حميد ذكر في «تفسيره» عن قتادة: «أنَّ بني النضير كانت مرجعه من أُحُد»، ثُمَّ قال: «وعن عكرمة: هي قبل كعب بن الأشرف، وأنَّه في صبيحة قتله أجلاهم»)، انتهى.
          واعلم أنَّ ما ذكره الزُّهريُّ عن عروة أسنده الحاكم في «الإكليل» كما أفاده شيخنا، انتهى، فيه نظرٌ، قال ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدين في «الهدْي» في غزوة بني النضير ما لفظُه: / (وهذا الذي ذكرناه هو الصحيح عند أهل المغازي والسير)؛ يعني: أنَّها بعد أُحُد، قال: (وزعم محمَّد ابن شهاب الزُّهريُّ: أنَّ غزوة بني النَّضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وَهَم منه، أو غلط عليه، بل الذي لا شكَّ فيه أنَّها كانت بعد أحد [والتي كانت بعد] بدر بستة أشهر هي غزوة بني قَيْنُقَاع، وقُريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحُديبية، فكان له مع اليهود أربع غزوات؛ أوَّلها: بني قَيْنُقَاع بعد بدر، والثانية: بنو النَّضير بعد أُحُد، والثالثة: قُريظة بعد الخندق، والرابعة: خيبر بعد الحديبية)، انتهى.
          تنبيهٌ: ما نقله ابن القَيِّم عن الزُّهريِّ هو كما تَقَدَّم نقلَهُ الزُّهريُّ عن عروة، فالزُّهريُّ لم يقله من قِبَل نفسه، وإنَّما حكاه عن عروة؛ هو ابن الزُّبَير أحد الفقهاء السبعة، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (كانت).