التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا

          4198- قوله: (عَنْ(1) أَيُّوبَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، أحد الأعلام، و(مُحَمَّدٌ): بعده هو ابن سيرين، تَقَدَّم، وهذا معروفٌ(2).
          قوله: (فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صلعم): هو بفتح الموحَّدة، وضمِّ الصاد؛ أي: علموا، ويقال مِن حيث اللغة: أبصروا؛ أي: نظروا. /
          قوله: (فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلعم): المنادي في هذه الواقعة هو عبد الرَّحمن بن عوف، والشاهد له في «النَّسائيِّ الصغير»، وفي «مسلم»: أبو طلحة، وفي «مبهمات» ابن شيخنا العراقيِّ الحافظ ولي الدين: حديث الرجل الذي نادى بتحريم الحمر الأهلية يوم خيبر هو أبو طلحة، رواه أبو يعلى المَوصليُّ في «مسنده» من رواية أنس، انتهى، وقد قدَّمتُ أنَّه في «مسلم»، فلا حاجة إلى إبعاد النجعة، والله أعلم، والظاهر أنَّه ◙ أمرهما فناديا.
          تنبيهٌ: وقع في «شرح الرافعيِّ على الوجيز» في (الأطعمة): (أنَّه أمر خالد بن الوليد، فنادى)، وهذا باطل، فاحذره، فإنَّ خالدًا لم يكن أسلم بعدُ، وقد أسلم على الصحيح سنة ثمان في صفر، والله أعلم.
          قوله: (أـإَِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ): يجوز في (إَنَّ) كسر الهمزة، وفتحها، وتشديد النون معهما، والذي يترجَّح في النظر: الكسر على الحكاية.
          قوله: (فَإِنَّهَا رِجْسٌ): هذا يُقدَّم على قول من قال من الصَّحابة: إنَّها حُرِّمت؛ لأنَّها كانت ظَهرًا للقوم وحمولتهم، فلمَّا قيل له: «أُفنِيَ الظهر، وأُكِلَت الحمر»؛ حرَّمها، وعلى قول مَن قال: لأنَّها لم تُخمَّس، وعلى قول مَن قال: إنَّما حرمها؛ لأنَّها كانت جَوَالَّ(3) القرية، وكانت تأكل العَذِرة، وقول رسولِ الله صلعم: «إنَّهَا رِجْسٌ» مقَدَّمٌ على هذا كلِّه، وذلك لأنَّه ظنٌّ من الراوي، ولا تعارض بين هذا التحريم وبين قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}[الأنعام:145]، فإنَّه لم يكن حُرِّم حين نزول هذه الآية مِن المطاعم إلَّا هذه الأربعة، والتحريم كان يتجدَّد شيئًا فشيئًا، فتحريم الحُمُر بعد ذلك تحريمٌ مبتدأٌ لِمَا سكت عنه النصُّ، لا أنَّه رافعٌ لما أباحه القرآن، ولا مخصِّصٌ لعُمومه، فضلًا عن أن يكون ناسخًا له، والله أعلم.
          فائدةٌ: قال الجماهير من الصَّحابة والتابعين ومَن بعدهم بتحريم لحوم الحمر الأهلية؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة بذلك، وقال ابن عباسٍ وعائشة ♥: ليست بحرام، وعن مالكٍ ثلاث روايات؛ أشهرها: أنَّها(4) مكروهة كراهة تنزيه شديدة، والثانية: حرام، والثالثة: مباحة، والصوابُ: التحريم؛ لحديث: «فإنَّها رجس»، وقد تَقَدَّم أعلاه.
          فائدةٌ ثانية: الحديث الذي في «سنن أبي داود» عن غالب بن أبجر قال: (أصابتنا سَنة، فلم يكن في مالي شيء أُطعِمُ أهلي إلَّا شيء من حمر، وقد كان رسول الله صلعم حرَّم الحمر الأهلية، فأتيتُ النَّبيَّ صلعم، فقلتُ: يا رسول الله أصابتنا السَّنة، ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلَّا سمان حمر، وإنَّك حرَّمتَ الحمر الأهلية، فقال: «أطعم أهلك من سمين حُمُرك، فإنَّما حرَّمتها من أجل جَوَالِّ القرى»)، يعني بـ(الجَوَالِّ)؛ بتشديد اللام: التي تأكل الجُـِلَّة؛ وهي العذرة؛ فهو حديث مضطرب، مختلف الإسناد، شديد الاختلاف، ولو صحَّ؛ حُمِل على الأكل منها في حال الاضطرار، والله أعلم، قال الذهبيُّ في «تجريدِه»: (غالب بن أبجر المزنيُّ، ويقال: غالب بن ذريح(5)، له أحاديث عند البصريِّين؛ ومنها: شريك، عن منصور، عن أبي الحسن عُبيد، عن غالب بن ذَريح مرفوعًا في الحمر الأهلية، وإسناده مضطرب معلول، انتهى.
          وقد انفرد بالحديث أبو داود من بين أصحاب الكتب، وقد طرَّفه المزِّيُّ، فظهر من تطريفه الاضطراب والعلَّة، والله أعلم، ويقال في غالب بن ذريح كما ذكرته، وقال ابن عبد البرِّ: (غالب بن أبجر، ويقال: غالب بن ذِيخ، ولعلَّه جدُّه).


[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (حدَّثنا).
[2] هذه الفقرة جاءت في (أ) متأخِّرة بعد قوله: (ولعلَّه جدُّه)، ولعلَّ تقديمها هو الصواب، وجاء بعدها: (قوله: «فَلَمَّا بَصُرُوا»: تَقَدَّم قريبًا ضبطه ومعناه، وكذا «الْخَمِيسُ»، وكذا «خَرِبَتْ خَيْبَرُ» أنَّه بوحي على الصحيح، كما قاله القاضي عياض قريبًا، و«الساحة»، و«المنادي» الذي نادى بتحريم الحمر الأهلية، وما وقع فيه للرافعيِّ في «شرحه»، وكذا على قوله: «فَإِنَّهَا رِجْسٌ» وأنَّ هذا مُقَدَّم على قول كلِّ أحد)، وهو تكرار لشرح بعض هذا الحديث، ولم يتكرَّر في «الصحيح».
[3] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (حول)، والجالَّةُ والجَلَّالةُ: الدابة تأكل العَذِرة، والجمعُ جَوَالٌّ لَدَوابٍّ، ينظر «المصباح المنير» (جلل).
[4] في (أ): (أنَّه).
[5] في هامش (أ): (ذيخ) ولعله الصواب، وفي المطبوع من مصدره: (ديخ)، وكذا في الموضع اللاحق.