التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة تبوك

          (بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ)... إلى (بابُ كِتَابِ النَّبِيِّ صلعم إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ)
          قال الحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلف الدِّمْياطيُّ شيخ شيوخنا: (كانت في رجب سنة تسع، قدمها في ثلاثين ألفًا من الناس، والخيل عشرة آلاف فرس، فأقام بها عشرين يومًا يصلِّي ركعتين)، انتهى.
          فقول الدِّمْياطيِّ: (إنَّه خرج إلى تبوك في رجب)، وكذا قال غيره، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدين في «الهدي» في (غزوة تبوك) فيما تضمَّنته من الفقه: (ومنها: جواز القتال في الشهر الحرام إن كان خروجه في رجب محفوظًا على ما قاله ابن إسحاق، ولكن ههنا أمرٌ آخر؛ وهو أنَّ أهل الكتاب لم يكونوا يحرِّمون الشهر الحرام، بخلاف العرب، فإنَّها كانت تُحرِّم، وقد تَقَدَّم أنَّ في نسخ تحريم القتال فيه قولين، وذكرنا حجج الفريقين)، انتهى.
          وقول الدِّمْياطيِّ: (إنَّه قدمها في ثلاثين ألفًا)، في الربع الأخير من «مسلم» في نحو نصفه في حديث كعب بن مالك ما لفظه: (وغزا رسول الله صلعم بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان حافظ)، انتهى، وإن كان هذا لا ينافي الأقوال في عدد أهل تبوك إلَّا أنَّ مثلَ هذه العبارة لا تُقال في ثلاثين ألفًا، ولا فيما زاد، والأقوال التي وقفت عليها في عددهم: ثلاثون ألفًا، يزيدون على عشرة آلاف، كما في «مسلم»، وعن «الإكليل» للحاكم: (أكثر من ثلاثين ألفًا)، وفي «علوم الحديث» لابن الصلاح عن أبي زرعة: (سبعون ألفًا)، وقال بعضهم في رواية عنه: (أربعون ألفًا)، وذكر بعض العلماء عن ابن إسحاق: (ثلاثين ألفًا)، وعن أبي زرعة: (سبعين ألفًا)، ثُمَّ قال: (وجُمِع بينهما بأنَّ أبا زرعة عدَّ التابع والمتبوع، وابنَ إسحاق عدَّ المتبوع فقط، والله أعلم)، انتهى، ولعلَّ مَن قال: عشرة آلاف؛ عدَّد الرؤساء، والله أعلم.
          قوله: (بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ): هي بفتح التاء المثنَّاة فوق، وضمِّ الموحَّدة، وهي في طرف الشام من جهة القبلة، وبينها وبين المدينة المشرَّفة / نحو أربع عشرة مرحلة، واليوم يأخذها الحاجُّ في اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، والمشهور عدم صرفها؛ للعلميَّة والتأنيث، ويَجيءُ آخرَ هذا الباب من هذا «الصحيح»: (حتَّى بلغ تبوكًا)، هكذا في النسخ، وهو في هذا الأصل الذي لنا: (تبوك) على عدم الصرف، وفي غالب نسخ «مسلم» مصروف؛ تغليبًا للموضع، والله أعلم.
          قوله: (وَهيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ): هي بضمِّ العين وإسكان السين المهملتين، سُمِّيَت غزوة العُسْرة؛ لمشقَّة السفر فيها وعُسره على الناس؛ لأنَّها كانت في زمن الحرِّ، ووقت طيب الثِّمار، ومفارقة الظلال، وكانت في مفاوز صعبة، وشُقَّة بعيدة، وعدوٍّ كثير، وأمَّا غزوة العشيرة؛ فقد تَقَدَّم الكلام عليها في أوَّل (كتاب المغازي) فيما مضى [خ¦64/1-5872]، والله أعلم.