التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة الخندق

          (بابُ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ)... إلى (بابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ)
          قوله: (قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ): انتهى، قال الدِّمياطيُّ: (وقال ابن إسحاق: «في شوَّال سنة خمس»، وقال ابن سعد: «في ذي القعدة سنة خمس»)، انتهى، وتتمَّة كلام ابن سعد: (أنَّها في ذي القعدة، سنة خمس، يوم الاثنين، لثمان ليالٍ مَضَين منها)، قال شيخنا: (قال الحاكم: «أكثر التواريخ عليه»)، انتهى، وسيأتي في (غزوة ذات الرِّقاع) ما يبيِّن لك أنَّ الصواب أنَّها إنَّما تُذكر بعد الخندق، كما صنعه البُخاريُّ، بل بعد ذلك، وإن كان أهل السير ذكروها في سنة أربع، والله أعلم [خ¦64/31-6067].
          ثُمَّ اعلم أنَّ أوَّل من حفر الخنادق في الحروب منوشِهر بن إيرج، وأوَّل من كمن الكمائن بختنصَّر، ذُكر ذلك عن الطَّبريِّ.
          فائدةٌ تَقَدَّمت [خ¦2834]: كمل الخندق في ستَّة أيام، قاله ابن سعد، وقال غيره: (حفره ◙ وأصحابه في بضع عشرة ليلة، وقيل: أربعًا وعشرين)، ذكر ذلك ابن سيِّد الناس في «سيرته»، وأشار به سلمان الفارسيُّ ☺، وكان المشركون عشرة آلاف، والمسلمون ثلاثة آلاف، وسيجيء في حديث جابر: (وهم ألف) [خ¦4102]، وقال شيخنا هناك: (وفي «الجمع بين الصحيحين» لأبي نعيم الحدَّاد: «وهم نحو من ألف»، وفي لفظ: «ثمان مئة، أو ثلاث مئة»، ساقها البيهقيُّ في «دلائله»، وسيجيء بأطول من هذا مع ما ذكره ابن إسحاق وغيره؛ فانظره بعد ذلك [خ¦4102]، ولكن ما في رواية جابر الآتية: (وهم ألف) [خ¦4102] ما ينفي أنَّهم كانوا ثلاثة آلاف الجملة، وأمَّا حاضرو الطعام؛ فكانوا ألفًا، والله أعلم.
          وقد ذكرت عدد المشركين [خ¦1797]، وقد نقل شيخنا المؤلِّف بعد حكاية عشرة آلاف قال: (وقال قتادة فيما ذكره البيهقيُّ: «كان المشركون أربعة آلاف، أو ما شاء الله»)، انتهى، ولو كان المسلمون ثلاثة آلاف، والمشركون أربعة آلاف؛ ما دخل النَّبيُّ صلعم المدينة، ولا ضرب خندقًا حولها، والله أعلم، وكذا لو كان المسلمون ثلاثة آلاف، والمشركون عشرة آلاف؛ لبرز إليهم فيما يظهر، والله أعلم كم كان كلُّ فريق، ومدَّة إقامة المشركين عليهم فيها خلافٌ، ففي «سيرة أبي الفتح اليعمريِّ»: (أنَّهم أقاموا بضعًا وعشرين ليلة، قريبًا من شهر)، وفي «سيرة مغلطاي»: (وأقاموا بضع عشرة ليلة...) إلى أن قال: (وأقام ◙ بالخندق خمسة عشر يومًا، وقيل: أربعًا وعشرين يومًا، وفرغ منه لسبع ليال بقين من ذي القعدة)، والظَّاهر أنَّه أراد بهذا مدَّة حفره؛ لأنَّه قدَّم مدَّة إقامته، والله أعلم، ولكن قُدِّم أنَّه حُفِر في ستَّة أيَّام [خ¦2834]، وفي كلام ابن قيِّم الجوزيَّة الجزمُ بشهر؛ يعني: إقامته في الحرب، وفي «الروضة» للشيخ محيي الدين الجزمُ بخمسة عشر يومًا، وكذا في «التهذيب»، وفي شرح شيخنا: (أقام المشركون على الخندق سبعًا وعشرين)؛ كذا في النسخة التي وقعتُ عليها، ولعلَّه: تسعًا وعشرين، قال شيخنا: (وللواقديِّ(1): «أربعة وعشرين يومًا»، وللنسويِّ: «بضع عشرة ليلة»، وعند ابن عقبة: «قريبًا من عشرين ليلة»)، انتهى.
          تنبيهٌ: كان في حفر الخندق آيات من أعلام النُّبوَّة:
          منها: ما رواه جابر: (أنَّه اشتدَّ عليهم في بعض الخندق كُدْية، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلعم، فأخذ المعول، وضربه، فعاد كثيبًا أَهْيَل)، وروي في هذا الخبر: (أنَّه ◙ دعا بماء، فتفل عليه، ثُمَّ دعا بما شاء الله أن يدعو، ثُمَّ نضح ذلك الماء على تلك الكُدْية، فيقول مَن حضرها: فوالذي بعثه بالحقِّ لانهالت حتَّى عادته كالكثيب، ما تَرُدُّ فأسًا ولا مسحاة).
          ومنها: خبر الحفنة من التمر الذي جاءت به ابنة بشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة ليتغدَّيانه، فقال ◙: «هاتيه»، فصبَّته في كفَّي رسول الله صلعم فما ملأهما، ثُمَّ أمر بثوب، فبُسِط له، ثُمَّ قال لإنسانٍ عنده: «اصرخ في أهل الخندق: أن هلمَّ إلى الغداء»، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتَّى صدر أهل الخندق عنه وإنَّه ليسقط من أطراف الثوب.
          ومنها: حديث شويهة جابر المذكورة في هذا «الصحيح» وهم ألف [خ¦4102].
          ومنها: حديث سلمان قال: (ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليَّ ورسولُ الله صلعم قريبٌ مني، فلمَّا رآني أضرب، ورأى شدَّة المكان عليَّ؛ نزل، فأخذ المعولَ من يدي، فضرب به ضربةً، لمعت تحت المعول برقةٌ، ثُمَّ ضرب أخرى، فلمعت تحته برقةٌ أخرى، ثُمَّ ضرب به الثالثة، فلمعت برقةٌ أخرى، قال: قلت: بأبي أنت يا رسول الله؛ ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: «أوَقد رأيت يا سلمان؟»، قال: قلت: نعم، قال: «أمَّا الأولى؛ فإنَّ الله فتح بها عليَّ اليمن، وأمَّا الثانية؛ فإنَّ الله فتح عليَّ بها الشام والمغرب، وأمَّا الثالثة؛ فإنَّ الله فتح عليَّ بها المشرق»).


[1] كذا في (أ) ومصدره بخط البرهان، وفي المطبوع منه: (وفي أخرى) ولم يذكر الواقدي.