التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته

          (بابُ مَرَضِ النَّبِيِّ صلعم)... إلى (كِتَابُ التَّفْسِير)
          وَقَوْلِ اللهِ ╡: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}[الزمر:30-31] اعلم أنَّه صلعم [لمَّا] قفَل من حجَّة الوداع؛ أقام بالمدينة بقيَّة ذي الحجَّة والمحرَّم وصفرًا، ثُمَّ ابتُدِئ بشكواه الذي قبضه الله فيه في ليالٍ بقين من صفر أو في أوَّل شهر ربيع الأوَّل، وابتداء الوجع ينبني على كم أقام مريضًا، وقد صرَّح الحاكم أبو أحمد بأنَّه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتتامَّ به وجعُه وهو يدور على نسائه حتَّى استُعِزَّ به وهو في بيت ميمونة، ودعا نساءه، واستأذنهنَّ أن يُمرَّض في بيت عائشة، فأذنَّ له، فخرج ورجلاه تخطَّان في الأرض، ثُمَّ غُمِرَ وتُوُفِّيَ رسول الله صلعم.
          واختَلف أهل العلم في اليوم الذي مات فيه بعد اتِّفاقهم على أنَّه يومُ الاثنين في ربيع الأوَّل؛ فذكر الواقدي وجمهورُ الناس: أنَّه الثاني عشر، وتعقَّبه السهيليُّ بتعقُّبٍ حسنٍ، وقد أجاب عنه بعض شيوخ شيوخنا بجواب فيه نظر، قال الطبريُّ: (يوم الاثنين لليلتين مضتا من ربيع الأوَّل)، وسيأتي ما يعارضه، لكنَّه معلول، وهو ما ذكره شيخنا من عند البزَّار من حديث ابن مسعود قال: (تُوُفِّيَ صلعم في إحدى وعشرين من رمضان، وكذلك عيسى ويوشع)، قال شيخنا: (وأُعِلَّ)، انتهى، وقال أبو بكر الخوارزميُّ: (أوَّل يوم منه، حين زاغت الشمس)، وقيل: عندما اشتدَّ الضَّحاء، وفي عبارة بعضهم: ضُحى يوم الاثنين، و(الضَّحاء)؛ بالفتح والمدِّ: بعد الضُّحى، وفي «مسلم»: (وتُوُفِّيَ من آخر ذلك اليوم)، وقد ذكرتُ جمعًا في «تعليقي على سيرة ابن سيِّد النَّاس»، وهو: أنَّ المراد أوَّل النصف الثاني؛ فهو آخر وقت الضُّحى؛ وهو من آخر النهار باعتبار أنَّه من النصف الثاني، ويدلُّ عليه ما رواه أبو عمر بن عبد البَرِّ بإسناده إلى عائشة ♦ قالت: (مات رسول الله صلعم _وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون_ ارتفاع الضُّحى وانتصافَ النهار يوم الاثنين)، وذكر موسى بن عقبة في «مغازيه» عن ابن شهاب: (تُوُفِّيَ يوم الاثنين حين زاغت الشمس)، والله أعلم.
          وغسَّله عليٌّ، والعبَّاس، وابناه: الفضل وقُثَم، ومولَياه: أسامة وشُقران، وحضرهم أوس بن خوليٍّ الأنصاريُّ، وكُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سُـَحوليَّة، ليس فيها قميص ولا عِمامة، وصلَّى عليه المسلمون أفذاذًا، لم يؤمَّهم أحد، وقد ذكر السهيليُّ وجه الفقه في ذلك، وقد ذكرته في «تعليقي على سيرة ابن سيِّد النَّاس»، وهو أنَّ الله تعالى افترض الصلاة عليه بقوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب:56]، وحكم هذه الصلاة التي تضمَّنتها الآية ألَّا تكون بإمام، والصلاة عليه عند موته داخلةٌ في لفظ الآية، وهي متناوِلة لها والصلاة عليه في كلِّ حالٍ، وأيضًا فإنَّ الرب تبارك وتعالى قد أخبر أنَّه يصلِّي عليه وملائكتُه، فإذا كان الربُّ هو المصلِّي سبحانه والملائكةُ قبل المؤمنين؛ وجب أن تكون صلاةُ المؤمنين تَبَعًا لصلاة الملائكة، وأن تكون الملائكة هم الإمام والأُمَّام، انتهى، وقال ابن الماجِشُون لما سُئِل: كم صُلِّيَ عليه صلاةً؟ قال: (اثنتان وسبعون صلاة؛ كصلاة حمزة، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: من الصندوق الذي تركه مالكٌ بخطِّه عن نافع عن ابن عمر)، انتهى لفظه.
          غريبةٌ: قال شيخنا العراقيُّ في «منظومته» [من الرجز]:
وَقِيلَ: مَا صَلَّوا عَلَيْهِ بَلْ دَعَوا                     وَانصَرَفُوا وَذَا ضَعِيْفٌ قَدْ رَوَوا
عَنْ مَالِكٍ: أنْ عَدَدُ الصَّلَاةِ                     سَبْعُونَ واثْنَانِ مِنَ المَرَّاتِ
وَلَيْسَ ذَا مُتَّصِلَ الإِسْنَادِ                     عَنْ مَالِكٍ فِي كُتُبِ النُّقَادِ
          والله أعلم، وعلى القول بأنَّه صُلِّيَ عليه أفذاذًا، فمَن تَقَدَّم الجميع؟ الجواب: أنَّ العبَّاس تَقَدَّم، ثُمَّ بنو هاشم، ثُمَّ المهاجرون، ثُمَّ الأنصار، ثُمَّ سائر الناس، ولمَّا فرغ الرجال؛ دخلَ الصبيان، ثُمَّ النساء، نقله النوويُّ في أوائل «تهذيبه» عن أبي أحمد الحاكم، والله أعلم، وفُرِش تحتَه قطيفةٌ حمراء كان يتغطَّى بها، فقيل: إنَّ ذلك خاصٌّ به، وقيل: إنَّها أُخرِجت.
          قال شيخنا العراقيُّ في «سيرته» [من الرجز]:
وفُرِشَتْ في قَبْرِهِ قَطِيْفَةُ                     وَقِيْلَ: أُخْرِجَتْ، وَهَذَا أَثْبَتُ
          ودخل قبرَه العبَّاسُ، وعليٌّ، والفضل، وقُثَم، وشُقران، وزاد بعضهم: أسامة في رواية، وعبد الرَّحمن بن عوف، وأوس بن خوليٍّ، وعَقِيل بن أبي طالب في رواية، وقد ذكرت ذلك بزيادة في «تعليقي» المشار إليه، وأُطبِق عليه تسع لَبِنَات، ودُفِن في الموضع الذي توفَّاه الله فيه، حُوِّل فراشه، ودُفِنَ تحتَه، فقيل: من وسط الليل ليلة الأربعاء، وذكر بعض مشايخ مشايخي: (ودفن ليلة الأربعاء، وقيل: ليلة الثَّلاثاء، وقيل: يوم الاثنين عند الزوال، قاله الحاكم وصحَّحه)، انتهى.
          وفي كلام بعضهم: يوم الثَّلاثاء حين زالت الشمس، وقيل: ليلة الأربعاء، وقال ابن الجوزيِّ: (ودفن ليلة الأربعاء وسط الليل، وقيل: ليلة الثَّلاثاء، وقيل: يوم الثَّلاثاء، والأوَّل أصحُّ).
          وكانت مدَّة شكواه ثلاثة عشر يومًا، وقال بعض مشايخ مشايخي: (وكانت مدَّة توعُّكه اثني عشر يومًا، وقيل: أربعةَ عشرَ، وقيل: ثلاثةَ عشرَ، وقيل: عشرة)، انتهى، وقيل غير ذلك.
          والحاصل: أقوالٌ في مدَّة مرضه: أربعةَ عشرَ، ثلاثةَ عشرَ، اثنا عشرَ، عشرةٌ، ثمانيةٌ، وهو ما رواه الخطيب في «الرواة عن مالك» بسنده إلى أنس بن مالك، وكلُّ هذا في «تعليقي على سيرة أبي الفتح»، وسأذكر في (الطِّبِّ) العلَّةَ التي تُوُفِّيَ بها ◙ [خ¦5712].
          فائدةٌ: عن المعتمر بن سليمان عن أبيه: أنَّه ◙ بدأ به وجعه عند وليدته ريحانة، وعند أبي معشر: في بيت زينب بنت جحش، انتهى، وريحانة قد اختُلف فيها؛ هل هي زوجةٌ أو وطئها بملك اليمين؟ قولان تَقَدَّما [خ¦198]. /