التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة ذات الرقاع

          (بابٌُ غَزْوَةُِ ذَاتِ الرِّقَاعِ)... إلى (غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِق)
          فائدةٌ: في «الأوسط» للطبرانيِّ عن إبراهيم بن المنذر: (قال محمَّد بن طلحة: كانت غزوة ذات الرِّقاع تُسمَّى: غزوة الأعاجيب)، انتهى، قال ابن إسحاق: (ثُمَّ أقام رسولُ الله صلعم بعد غزوة بني النَّضير شهر ربيع)، وقال الوقشيُّ: (الصواب: شهري ربيع وبعض جمادى، ثُمَّ غزا نجدًا يريد محاربَ وبني ثعلبة)، انتهى، وغاب في هذه الغزوة خمس عشرة(1) ليلة، وغزوة بني النضير كانت في ربيع الأوَّل على رأس خمسة أشهر من وقعة أُحُد، وقال البُخاريُّ: (قال الزُّهريُّ عن عروة: كانت على رأس ستَّة أشهر من وقعة بدر قبل أُحُد) [خ¦64/14-5956]، انتهى، وقد تَقَدَّم ما في ذلك في مكانه [خ¦64/14-5956].
          واعلم أنَّ البُخاريَّ ذَكَرَ مِن حديث أبي موسى أنَّهم نَقِبَتْ أقدامُهم ولفُّوا عليها الخرق، فسُمِّيَت غزوة ذات الرِّقاع [خ¦4128]، وجَعَلَ حديثَ أبي موسى هذا حجَّةً في أنَّ غزوة ذات الرِّقاع متأخِّرةٌ عن خيبر، وذلك أنَّ أبا موسى إنَّما قدم مع أصحاب السفينتين بعد هذا بثلاث سنين، قال أبو الفتح بن سيِّد الناس: (والمشهور في غزوة ذات الرِّقاع ما قدَّمناه، وليس في حديث أبي موسى ما يدلُّ على شيء من ذلك)، انتهى، وفيه نظر، وانظر حديث أبي موسى في «الصحيح» [خ¦4128]؛ فإنَّه يدلُّ لذلك دلالة ظاهرة، ولا يُنتَقل إلى المجاز فيه ولا تأويله، والله أعلم.
          وقال الدِّمياطيُّ في هذا الباب لمَّا قال البُخاريُّ: (وهي بعد خيبر؛ لأنَّ أبا موسى جاء بعد خيبر) ما لفظه: (هذا مشكلٌ، ما ذهب أحد من أهل السير إلى أنَّها بعد خيبر، قال ابن إسحاق: «كانت في سنة أربع»، وقال ابن سعد: «كانت في المحرَّم على رأس سبعة وأربعين شهرًا من الهجرة»)، انتهى.
          وقال مغلطاي: (وذكرها البُخاريُّ بعد غزوة خيبر مستدلًّا بحضور أبي موسى الأشعريِّ، وفي ذلك نظرٌ؛ لإجماع أهل السير على خلافه)، انتهى، ولم يذكرها بعد خيبر، وإنَّما هي عنده بعد خيبر، وإنَّما ذكرها هنا، وعارضه بالأحاديث المخالفة لذلك، وما قاله البُخاريُّ يشهد له أيضًا ما علَّقه هو بصيغة الجزم في آخر الباب عن أبي هريرة: (صلَّيتُ مع رسول الله صلعم غزوة نجد صلاة الخوف)، قال البُخاريُّ: (وإنَّما جاء أبو هريرة إلى النَّبيِّ صلعم أيَّام خيبر)، انتهى [خ¦4135].
          ولمَّا ذكر ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدين في «الهدْي» غزوةَ ذات الرقاع؛ قال: (فخرج في جمادى الأولى من السنة الرابعة، وقيل: في المحرَّم...) إلى أن قال: (هكذا قال ابن إسحاق وجماعة من أهل السير والمغازي في تاريخ هذه الغزاة، وصلاة الخوف بها، وتلقَّاه الناس عنهم، وهو مشكل جدًّا، فإنَّه صحَّ أنَّ المشركين حبسوا رسولَ الله صلعم يوم الخندق عن صلاة العصر حتَّى غابت الشمس...) إلى أن قال: (والخندق بعد ذات الرقاع، سنة خمس، والظَّاهر أنَّه ◙ أوَّل صلاة صلَّاها للخوف بعُسْفان، كما قال أبو عيَّاش الزرقيُّ)؛ فذكر حديثه مختصرًا _رواه أحمد وأهل السنن_ إلى أن قال: (ولا خلاف بينهم أنَّ غزوة عُسْفان كانت بعد الخندق، وقد صحَّ أنَّه صلَّى صلاة الخوف بذات / الرِّقاع، فعُلِم أنَّها بعد الخندق، وبعد عُسْفان، ويؤيُّد هذا أنَّ أبا هريرة وأبا موسى شهدا ذات الرِّقاع، كما في «الصحيحين» [خ¦4128] [خ¦4135])؛ فذكر حديث أبي موسى، ثُمَّ قال: (وأمَّا أبو هريرة؛ ففي «المسند» و«السنن»: «أنَّ مروان بن الحكم سأله: هل صلَّيت مع رسول الله صلعم صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد)، قال: (وهذا يدلُّ على أنَّ غزوة ذات الرِّقاع بعد خيبر، وأنَّ من جعلها قبل الخندق؛ فقد وهمَ وهمًا ظاهرًا، ولمَّا [لم] يفطن بعضُهم لهذا؛ ادعى أنَّ غزوة ذات الرِّقاع كانت مرَّتين؛ فمرَّة قبل الخندق، ومرَّة بعدها، على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظها أو تاريخها، ولو صحَّ لهذا القائل ما ذكروه _ولا يصحُّ_ لم يمكن أن يكون قد صلَّى بها صلاة الخوف في المرَّة الأولى؛ لما تَقَدَّم من قصَّة عُسْفان وكونها بعد الخندق، ولهم أن يجيبوا عن هذا بأنَّ تأخير يوم الخندق جائزٌ غيرُ منسوخ، وأنَّ في حال المسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكَّن مِن فعلها، وهذا أحدُ القولين في مذهب أحمدَ وغيرِه، لكن لا حيلة لهم في قصَّة عُسْفان، وأنَّ أوَّل صلاة صلَّاها للخوف بها، وأنَّها بعد الخندق؛ فالصواب: تحويل غزوة ذات الرِّقاع من هذا الموضع إلى بعد الخندق، بل بعد خيبر، وإنَّما ذكرناها ههنا تقليدًا لأهل المغازي والسير، ثُمَّ تبيَّن لنا وهمُهم، وبالله التوفيق)، ثُمَّ شرع يستدلُّ على أنَّ غزوة ذات الرقاع بعد الخندق... إلى آخر كلامه، وهو كلام حسن ينبغي للواقف على هذا أن ينظر كلامه في «الهدْي»، فإنَّه ذكر أحاديث تدلُّ لما قاله، والله أعلم.
          قوله: (بابُ غَزْوَةُِ ذَاتِ الرِّقَاعِ): اعلم أنَّها سُمِّيَت غزوة ذات الرقاع؛ لأنَّهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع: شجرة بذلك الموضع، وقيل: لأنَّ أقدامَهم نَقِبَتْ، فكانوا يلفُّون عليها الخِرق، قال المنذريُّ: (وقد نصَّ الصَّحابيُّ الذي حضر هذه الغزوة أنَّها إنَّما سُمِّيَت بذلك، فلا يعرَّج على ما سواه)، وقال النَّوويُّ: (إنَّه الصحيح في تسميتها)، انتهى، وقيل: إنَّ الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقائع، وقيل: لأنَّ صلاة الخوف كانت بها، فسُمِّيَت بذلك لترقيع الصلاة فيها، انتهى، وقد روى أحمد في «مسنده» من حديث أبي الزُّبَير، عن جابر قال: (غزا رسولُ الله صلعم ستَّ مَرَّاتٍ قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة)، وفي سنده ابن لهيعة.
          قوله: (وَهيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ): قال الدِّمياطيُّ: (محارب بن خصفة بن قيس عَيلان)، انتهى، وقال تُجاه قول البُخاريِّ: (من بني ثعلبة): (صوابه: وبني ثعلبة، كما جاء بعد ذلك في حديث بكر بن سوادة [خ¦4125])، انتهى، و(خَصَفة): بفتح الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة، ثُمَّ فاء، ثُمَّ تاء التأنيث.
          قوله: (وَهيَ بَعْدَ خَيْبَرَ...) إلى آخره: تَقَدَّم الكلام عليه في الصفحة التي قبل هذه، وبعضه في هذه.


[1] في (أ): (خمسة عشر)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب، انظر «مغازي الواقدي» ░1/395▒.