التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حج أبي بكر بالناس في سنة تسع

          (حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ).... إلى (بابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ)
          اعلم أنَّ أوَّل من أقام للناس الحجَّ عتَّابُ بن أَسِيد، سنة ثمانٍ من الهجرة، وهي عام الفتح، وحجَّ بالناس تلك السنة وهو أمير البلد على ما كانت عليه العرب في الجاهليَّة، وكان ◙ استعمله على مَكَّة، ومضى ◙ إلى حُنين، وقال أبو الوليد الأزرقيُّ: (لم يبلغنا أنَّه استعمله على الحجِّ في هذه السنة، فلمَّا كان وقت الحج؛ حجَّ المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل، يدفع بهم عتَّاب بن أَسِيد، ويقف بهم المواقف؛ لأنَّه أمير البلد)، وذكر الماورديُّ في «الحاوي» في (السير): أنَّه ◙ لمَّا فتح مَكَّة؛ استعمل عتَّاب بن أَسِيد للصلاة والحجِّ، وذكر أيضًا في (كتاب الحجِّ): أنَّه ◙ أمَّر عتَّاب بن أَسِيد أن يحجَّ بالناس عام الفتح، وهذا إثباتٌ لم يبلغ الأزرقيَّ، فليعتمد عليه.
          ثُمَّ حجَّ أبو بكر الصدِّيق سنة تسع على ذلك، ولم يزل عتَّاب بن أَسِيد أميرًا حتَّى تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلعم، وأقرَّه أبو بكر إلى أن تُوُفِّيَ، وكانت وفاته على ما ذكر الواقديُّ يوم تُوُفِّيَ الصديق، قاله المحبُّ الطبريُّ بأطول من هذا، ثُمَّ ذكر في (عمرة الجعرانة) في أواخر (كتاب الحجِّ) عن أبي هريرة ☺ في قوله تعالى: {بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة:1]، قال: لمَّا قفل رسول الله صلعم من حُنين؛ اعتمر من الجعرانة، ثُمَّ أمَّر أبا بكر في تلك الحجَّة، أخرجه أبو حاتم، ثُمَّ عقَّبه بأن قال: (قلت: وهذا مغاير لما تَقَدَّم في صفة حجِّ النَّبيِّ صلعم: أنَّ الذي حجَّ بالناس تلك السنة عتَّاب بن أَسِيد، وهي سنة ثمان، فإنَّ تأمير أبي بكر كان سنة تسع، وهو الأظهر)، انتهى.
          فائدةٌ ثانيةٌ هي تنبيهٌ: اختُلف في حجَّة الصِّدِّيق هذه؛ هل هي التي أسقطت الفرض، أو المسقطة هي حجَّة الوداع معه ◙؟ قال ابن قيِّم الجوزيَّة شمس الدين: (على قولين، أصحُّهما الثاني، والقولان مبنيَّان على أصلين؛ أحدهما: هل كان الحجُّ فُرِض قبل عام حجَّة الوداع، أو لا؟ والثاني: هل كانت حَجَّة الصِّدِّيق في ذي الحجَّة، أم وقعت في ذي القَعدة من أجل النسيء الذي كان في الجاهليَّة يؤخِّرون له الأشهر ويقدِّمونها؟ على قولين، والثاني قول مجاهد وغيره)، انتهى.
          وقد حكى القولين أيضًا الحافظ العلَّامة محبُّ الدين الطبريُّ في (كتاب الصوم) من «أحكامه» في ذكر الأشهر الحرم، قال المحبُّ الطبريُّ: (إنَّ حج الصِّدِّيق وقع في ذي القعدة)، وعزا ذلك إلى الماورديِّ في «نكته»، والثعلبيِّ، والرمَّانيِّ، وغيرِهم، قال: (وذكر الأزرقيُّ: أنَّ حجَّ أبي بكر في ذي الحجَّة في السنة التاسعة، وذكر بعض المفسِّرين الروايتين)، وذكر كلامًا متعلِّقًا بهذا، وفي «سيرة مغلطاي الصُّغرى»: (وكان حجُّهم ذلك العام في ذي القعدة)، انتهى.
          وكذا نقل شيخنا عن الداوديِّ: أنَّها في ذي القعدة، وأنا أستبعد _أو أقول: إنَّه مستحيل_ أن يكون حجُّ أبي بكر وقع في ذي القعدة وقد أمَّره ◙ عليها، نعم، يَحتمل أنَّه لم يكن فُرِض الحجُّ وإن كانت الشافعيَّة قالوا: إنَّه كان فُرِض، وإنَّما اختلفوا في وقت فرضه، وقد ذكرتُ الأقوال في وقت فرضه في أوَّل (الحجِّ) [خ¦1513]، ومن أغربه: أنَّه فُرِض قبل الهجرة، حكاه الإمام وجهًا، وهو غريب جدًّا، والله أعلم.
          واعلم أنَّ ابن سعد قال: (قالوا: استعمل رسول الله صلعم أبا بكر الصديق على الحجِّ، فخرج في ثلاث مئة رجل من المدينة، وبعث معه ◙ بعشرين بدنة قلَّدها وأشعرها بيده، عليها ناجية بن جندب الأسلميُّ، وساق أبو بكر خمس بدنات، فلمَّا كان بالعرج _وابن عائذ يقول: بضجنان_ لقيه عليُّ بن أبي طالب على ناقته ◙ القصواء)، وابن إسحاق قال: العضباء، نقله ابن القيِّم شمس الدين.