التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أن رسول الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر

          4216- قوله: (حَدَّثَنَا(1) يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ زاي (قزَْعة) بالفتح والسكون، و(ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، محمَّد بن مسلم.
          تنبيهٌ: قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ ☺: [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم] نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ...)؛ الحديث: وقع في أصلنا الدِّمَشْقيِّ: عن عبد الله والحسين ابني محمَّد بن عليٍّ، وفي الهامش نسخة: (والحسن) مكبَّرًا، وهذه هي الصواب، و(الحسين) بالتصغير خطأٌ محض، وليس للحسين رواية في الكُتُب السِّتَّة، بل ولا أعرف لابن الحنفيَّة ولدًا يقال له: الحسين؛ بالتصغير، والله أعلم.
          قوله: (نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ): قال الحافظ شمس الدين ابن قيِّم الجوزيَّة في كتاب «هَدْي النَّبيِّ صلعم»: (ولم يحرِّم المتعة يوم خيبر، وإنَّما كان تحريمها عام الفتح، هذا هو الصواب، وقد ظنَّ طائفة من أهل العلم أنَّه حرَّمها يوم خيبر، واحتجُّوا بما في «الصحيحين» من حديث عليِّ بن أبي طالب ☺: «أنَّ رسول الله صلعم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية» [خ¦4216]، وفي «الصحيحين»: «أنَّ عليًّا ☺ سمع ابن عباس يُليِّن في مُتعة النساء، فقال: مهلًا يا ابن عباس، فإنَّ رسول الله صلعم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية» [خ¦5115]، وفي لفظٍ للبخاريِّ عنه ☺: «أنَّ رسولَ الله صلعم نهى عن مُتعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسية» [خ¦6961]، ولمَّا رأى هؤلاء أنَّ النَّبيَّ صلعم أباحَها عام الفتح ثُمَّ حرَّمها؛ قالوا: حُرِّمت، ثُمَّ أُبيحت، ثُمَّ حُرِّمت، قال الشافعيُّ: «لا أعلم شيئًا حُرِّم ثُمَّ أبيح ثُمَّ حُرِّم إلَّا المتُعة»، قالوا: فنُسخ مرَّتين، وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لم تحرَّم إلَّا عام الفتح، وقبل ذلك كانت مباحة، قالوا: وإنَّما جمع عليُّ بن أبي طالب بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحُمُر الأهلية؛ لأنَّ ابن عباس / كان يُبيحهما، فروى له عليٌّ تحريمهما عن النَّبيِّ صلعم؛ ردًّا عليه، وكان تحريم لحوم الحُمُر يوم خيبر بلا شكٍّ، فذكر «يوم خيبر» ظرفًا لتحريم الحُمُر، وأطلق تحريم المُتعة، ولم يقيِّده بزمنٍ(2)؛ كما جاء ذلك في «مسند أحمد» بإسناد صحيح: «أنَّ رسول الله صلعم حرَّم لحوم الحُمُر الأهليَّة يوم خيبر، وحرَّم مُتعة النساء»، وفي لفظ: «حرَّم مُتعة النساء، وحرَّم لحوم الحُمُر الأهليَّة يوم خيبر»؛ هكذا رواه سفيان بن عيينة متَّصلًا مميَّزًا، فظنَّ بعض الرواة أنَّ يوم خيبر زمن للتحريمين، فقيَّدهما به، ثُمَّ جاء بعضُهم، فاقتصر على أحد المحرَّمين، وهو تحريم الحُمُر، وقيَّده بالظرف، فمن ههنا نشأَ الوهم، وقصَّةُ خيبر لم يكن فيها الصَّحابة يتمتَّعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسولَ الله صلعم، ولا نقله أحد قطُّ في هذه الغزوة، ولا كان للمُتعة فيها ذكر ألبتَّة، لا فعلًا ولا تحريمًا، بخلاف غزاة الفتح، فإنَّ قصَّة المُتعة فعلًا وتحريمًا مشهورةٌ، وهذه الطريقة أصحُّ الطريقتين، وفيها طريقة ثالثة؛ وهي أنَّ رسولَ الله صلعم لم يحرِّمها تحريمًا عامًّا ألبتَّة، بل حرَّمها عند الاستغناء عنها، وأباحها عند الحاجة إليها، وهذه كانت طريقة ابن عباس حتَّى كان يُفتي بها، ويقولُ: هي كالميتةِ والدمِ ولحمِ الخنزير، تُباح عند الضرورة وخشيةِ العَنَت، فلم يفهم عنه أكثرُ الناس ذلك، وظنُّوه أنَّه أباحها إباحة مطلقة، وتغنَّوا في ذلك بالأشعار، فلمَّا رأى ابن عباس ذلك؛ رجع إلى القول بالتحريم)، انتهى، وقد سبقه إلى ذلك السُهيليُّ في «روضه» في غزوة خيبر، ولفظه: (وممَّا يتصل بحديث النهي عن أكل الحُمُر تنبيهٌ على إشكالٍ في رواية مالك عن ابن شهاب، وأنَّه قال فيها: «نهى رسولُ الله صلعم عن نكاح المُتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحُمُر الأهليَّة»، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورُواة الأثر: أنَّ المُتعة حُرِّمت يوم خيبر، وقد رواه ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن محمَّد، فقال فيه: «إنَّ رسول الله صلعم نهى عن أكل الحُمُر الأهليَّة عام خيبر، وعن المُتعة»، فمعناه على هذا اللفظ: ونهى عن المُتعة بعد ذلك، أو في غير ذلك اليوم، فهو إذًا تقديمٌ وتأخيرٌ وقع في لفظ ابن شهاب، لا في لفظ مالك؛ لأنَّ مالكًا قد وافقه على لفظِه جماعةٌ من رواة ابن شهاب، وقد اختُلف في نكاح المُتعة، فأغرب ما روي في ذلك مَن قال: إنَّ ذلك كان في غزوة تبوك، ثُمَّ رواية الحسن: أنَّ ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريم نكاح المُتعة رواية الربيع بن سبرة عن أبيه: أنَّ ذلك كان عام الفتح، وقد خرَّج مسلم الحديث بطوله، وفي هذا أيضًا حديث آخر خرَّجه أبو داود: أنَّ تحريم نكاح المُتعة كان في حجَّة الوداع، ومَن قال مِن الرواة: كان في غزوة أوطاس؛ فهو موافق لمن قال: عام الفتح، فتأمَّله، والله المستعان)، انتهى، وهو مكان حسن، فلا تملَّ لطوله.
          وقال مغلطاي في خيبر: (واختلفوا هل نسخت مرَّة، أو مرَّتين، أو أكثر؟ وذلكَ أنَّ في بعض الأحاديث: حُرِّمت يوم خيبر، وفي بعضها: يوم الفتح، وفي بعض: في تبوك، وفي بعضها: في عمرة القضاء، وفي بعضها: عام أوطاس)، انتهى، وكونها في خيبر هو في «البُخاريِّ» و«مسلم» على ما فيه، وقد تَقَدَّم، أو الفتح، أو عام أوطاس؛ الثلاثة في «مسلم»، والله أعلم، وسأذكر في (النكاح) فيه رواياتٍ غير ذلك [خ¦5115]، والله أعلم.
          قوله: (وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ): تَقَدَّم الكلام على (الإنسيَّة) قريبًا وبعيدًا.


[1] كذا في (أ) و(ق)، ورواية «اليونينيَّة: (حدثني).
[2] كذا في (أ) مضروبًا عليها، ثمَّ كتب بدلًا منها: (بنهي)، والمثبت موافق لمصدره، وهو الصواب.