التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب عمرة القضاء

          (بابُ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ)... إلى (بابُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ)
          إن قلت: لمَ ذكرها الإمام البُخاريُّ في (المغازي)؟
          قلت: لأنَّها تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين بالحُدَيْبيَة.
          تنبيهٌ: لم يذكر من أين أحرم صلعم في عُمرة القضاء، وقد رأيت في «مناسك محبِّ الدين الطبريِّ» الحافظ العلَّامة الفقيه عن جابر ☺: (أنَّه صلعم أحرم فيها من باب المسجد؛ لأنَّه سلك طريق الفُرع، ولولا ذلك؛ لأهلَّ من البيداء)، ولم يعزُ هذا الحديث لأحد، والله أعلم، ورأيت في كلام شيخنا الشارح هنا في «شرحه» قال: (قلتُ: وأحرم من باب المسجد بذي الحليفة، ولبَّى، والمسلمون معه يلبُّون)، انتهى؛ فانظر ذلك.
          وقد تَقَدَّم الكلام على عمرة القضاء مع عُمَرِه ◙، وأنَّهنَّ أربع [خ¦26/3-2781]، ويقال لعمرة القضاء: عمرة القصاص، وعمرة القضيَّة، وعمرة القصاص أولى بها؛ لقوله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}[البقرة:194]: نزلت فيها.
          وقد اختُلف في تسمية هذه العمرة بعمرة القضاء؛ هل هو لكونها قضاءً للعمرة التي صُدُّوا عنها، أو من المقاضاة، أم عمرة مستأنفة؟ على قولين للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد؛ أحدهما: أنَّه قضاء، وهو مذهب أبي حنيفة، وقال النوويُّ: (وقيل لها: عمرة القضاء والقضية؛ لمقاضاة سُهيل بن عمرو، لا لأنَّها قضاء عمرةِ سنةِ ستٍّ، بل لما ذكرنا، ووقعت(1) عمرةُ سنةِ سبعٍ قضاءً(2)، وأمَّا سنة ستٍّ؛ فحُسِبت عمرة في الثواب)، انتهى.
          والقول الثاني: ليست بقضاء، وهو قول مالك، والذين قالوا: إنَّها كانت قضاء احتجُّوا بأنَّها سُمِّيت عمرةَ القضاء، وهذا الاسم تابع للحكم، وقال الآخرون هنا: من المقاضاة؛ لأنَّه قاضى أهل مَكَّة عليها، لا من قضى يقضي قضاء، قالوا: ولهذا سُمِّيت عمرة القضيَّة، / قالوا: والذين صُدُّوا عن البيت كانوا ألفًا وأربع مئة على أكثر الأقوال، وهؤلاء كلُّهم لم يكونوا معه في عُمرة القضاء، ولو كانت قضاء؛ لم يتخلَّف منهم أحد، وصُحِّح هذا القولُ؛ لأنَّه ◙ لم يأمر من كان معه بالقضاء، وقد خرج ◙ لعمرة القضاء في ذي القعدة من السنة السَّابعة، وقد ذكر ابن سعد: أنَّ المعتمرين بها كانوا ألفين؛ هم أهل المدينة(3) ومن انضاف إليهم، إلَّا من مات أو استُشهِد بخيبر، والله أعلم.
          تنبيه: قال ابن سيِّد النَّاس ومغلطاي: (وساق معه ◙ ستِّين بدنة)، انتهى، ذكر ذلك في (عُمرة القضيَّة)، وقد تَقَدَّم أنَّ في الحُدَيْبيَة ساق معه سبعين بدنة [خ¦1694]، والله أعلم.


[1] في (أ): (قد وقعت)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (فرضًا)، والمثبت من مصدره.
[3] كذا في (أ)، وفي المطبوع من «عيون الأثر» ░2/203▒: (هم أهل الحديبية)، وهو أولى.