التلقيح لفهم قارئ الصحيح

سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي

          قوله: (سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ): قال الدِّمْياطيُّ: (كانت في ربيع الآخر سنة تسع، وكان الركب ثلاث مئة)، انتهى.
          هذه السريَّة هي سرية علقمة بن مجزِّز المدلجيِّ، وقد تَقَدَّم ضبط (مجزِّز)، والخلاف فيه [خ¦3555]، وسأذكره أيضًا في (الفرائض) [خ¦6770]، وكانت إلى الحبشة في ربيع الآخر، كما قاله الدِّمْياطيُّ، قالوا: بلغ رسولَ الله صلعم أنَّ ناسًا من الحبشة تراءاهم أهلُ جُدَّة، فبعث إليهم علقمة بن مجزِّز في ثلاث مئة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر، فهربوا منه، فلمَّا رجع؛ تعجَّل بعضُ القوم إلى أهليهم، فأذن لهم، فتعجَّل عبد الله بن حذافة السهميُّ فيهم، فأمَّره على من تعجَّل، وكانت فيه دُعابة، فنزلوا ببعض الطريق، وأوقدوا نارًا يصطلون عليها ويصطنعون، فقال: عزمت عليكم إلَّا تواثبتم في هذه النار...؛ القصَّة، فأمير السريَّة منه ◙ علقمةُ بن مجزِّز، وعبد الله بن حذافة أميرٌ مِن جهة علقمة، وكذا في «الغيلانيات» في الجزء السابع، ذكر بسنده إلى عمر بن الحكم: (أنَّ رسول الله صلعم بعث سريَّة وأمَّر عليهم رجلًا من أصحابه، وأمَّر ذلك الرجل عبدَ الله بن حذافة، وكان فيه دعابة...)؛ الحديث، وانظر حديث «الصحيح» [خ¦4340] ممَّا يخالف ما ذُكر، فمنه: (فاستعمل عليها رجلًا من الأنصار)، وعلقمة ليس أنصاريًّا ولا عبد الله بن حُذافة، وقوله: (فغضب، فقال: أليس أَمَرَكم النَّبيُّ صلعم أن تطيعوني)، وقد علمت أنَّ الآمر بذلك هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، ولم يؤمِّره ◙ عليهم، ولكنَّ هذا يمكن الجواب عنه، وكذا الذي قبله، لكن بتعسُّفٍ، وقد روى أحمد في «مسنده» عن ابن عبَّاس في قوله: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}[النساء:59]، قال: (نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديٍّ، بعثه رسول الله صلعم في سريَّة...)، وكذا في (تفسير النساء) مِن حديث ابن عبَّاس، فيحتمل أن يكون واقعتين، أو يكون حديث «الصحيح» الذي هو عن عليٍّ هو المحفوظ، / والله أعلم.
          قال الخطيب البغداديُّ كما نقله النوويُّ عنه في «مبهماته»: (حديث عنه _أي: عن عليٍّ ☺_: «بعث رسول الله صلعم جيشًا، وأمَّر عليهم رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويُطيعوا، فغضب...»؛ الحديث، قال الخطيب: هذا الرجل الأمير هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، وقول بعض الرواة «رجل من الأنصار» وَهم، إنَّما هو سهميٌّ)، انتهى.
          قال ابن طاهر في «مبهماته»: (هو علقمة بن مجزِّز المدلجيُّ، أو عبد الله بن حذافة)، انتهى.
          وقال النوويُّ في «شرح مسلم» في حديث عليٍّ المذكور: (قيل: هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه قال في الرواية التي بعد هذه: إنَّه رجل من الأنصار، فدل على أنَّه غيره)، انتهى.
          وقال ابن شيخنا البلقينيِّ في (كتاب الأحكام): (وأمَّر عليهم رجلًا هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، كما تَقَدَّم أنَّه مرويٌّ عن أبي سعيد الخدريِّ في «ابن ماجه» و«مسند أحمد»، وأنَّ أبا سعيد كان من جملة المأمورين، ولا يُعترض على ذلك بأنَّه ليس من الأنصار لأنَّه سهميٌّ؛ لاحتمال أن يُقال: إنَّه مِن الأنصار بالمحالفة)، انتهى، قال ابن شيخنا المشار إليه: (والظاهر أنَّ علقمة بن مجزِّز إنَّما أمَّر هذا بأمر النَّبيِّ صلعم، إمَّا بأمر عامٍّ أو خاصٍّ، فلذلك نُسِبَ هذا الاستعمال إلى النَّبيِّ صلعم)، انتهى، والله أعلم بهذه القصَّة وبمن أميرها.