التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب غزوة سيف البحر

          قوله: (بَابُ غَزْوَةِ سِيْفِ الْبَحْرِ): (سِيْف)؛ بكسر السين المهملة، وإسكان المثنَّاة تحت، وبالفاء، وهذا ظاهرٌ، و(سِيْف البَحر): ساحله، وهذه سريَّة الخَبَط، بعثهم ◙ إلى حيٍّ من جُهينة ممَّا يلي ساحل البحر، وبينها وبين المدينة خمسُ ليالٍ، فأصابهم جوع شديد، وأكلوا الخَبَط، انتهى، قاله الدِّمْياطيُّ، وكانت هذه السريَّةُ في رجب سنة ثمان.
          قوله: (وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ): كذا في «الصَّحيح»، وفيه نظر؛ لأنَّه لم يكن بعد الحُدَيْبيَة يُعترض لعِير قريش، وهي سنة ثمان، والظاهر أنَّ ابن إسحاق جعلها في هذه الرتبة، وكذا أبو الفتح ابن سيِّد النَّاس جعلها بعد مؤتة، وبعد سريَّة عَمرو بن العاصي إلى ذات السَّلاسِل، وهي في جمادى الآخرة سنة ثمان، وعمرٌو إنَّما هاجر على الصَّحيح إلى المدينة في صفر سنة ثمان، وظاهر سريَّة الخَبَط أنَّها كانت / قبل الهُدنة بالحُدَيْبيَة، فإنَّه من حين صالح أهل مَكَّة لم يكن يرصُدُ لهم عِيرًا، بل كان زمن أمنٍ وهدنة إلى حين الفتح، وقد تعقَّب الحافظ شمس الدين بن قيِّم الجوزيَّة سريَّة الخَبَط في جعلها سنة ثمانٍ بهذا التعقُّب، وهو تعقُّبٌ صحيحٌ لا شكَّ فيه، وتعقَّب أيضًا كونها في رجب، فقال: (الظاهر أنَّه غير محفوظ؛ إذ لم يُحفَظ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه غزا في الشهر الحرام، ولا أغار فيه، ولا بعث فيه سريَّة، وقد عَيَّر المشركون المسلمين بقتالهم في أوَّل رجب في قصَّة عمرو بن الحضرميِّ، وقالوا: استحلَّ محمَّدٌ الشهر الحرام...) إلى آخر كلامه، فإن أردته؛ فانظره من «الهدي»، وهذا بناء منه على أنَّ القتال لم يُنسَخ في الشهر الحرام، وهو مذهب جماعةٍ قليلةٍ، والأكثرون على نسخه، والله أعلم.
          قوله: (وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الجَرَّاح: وكذا في «مسلم»، وهنا أيضًا، قال شيخنا: (وفي «الأطعمة» لابن أبي عاصم من حديث جابر: أنَّ الأمير عليهم يومئذٍ سعدُ بن عبادة(1)، وهو عجيبٌ)، انتهى، ذكر ذلك في (الأطعمة)، واعلم أنَّ سعدًا لم يكن معهم في سريَّة الخَبَط، كما هو ظاهر هذه القصَّة؛ فانظرها أيضًا من السِّيَر تجدْ ذلك، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره، والنسخة التي بخطِّ البرهان: (قيس بن سعد بن عبادة)، وهو الصواب، لكن أُثبت (سعد)؛ لأنَّ المصنِّف بنى تتمةَ كلامه على ذلك.