إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر

          3634-وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ) هو عبدُ الرحمن بنُ عبدِ الملك بنِ محمَّدِ بنِ شيبةَ أبو بكرٍ الحِزاميُّ _بالحاء المهملة المكسورة والزاي_ القرشيُّ مولاهم قال: (حَدَّثَنَا) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”أخبرنا“ بالخاء المعجمة والجمع(1) في الفرع، وفي «اليونينية»: ”أخبرني“ بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُغِيرَةِ) ولأبي ذرٍّ: ”مغيرة“ بدون «ال» القرشيُّ(2) (عَنْ أَبِيهِ) المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله الحِزاميِّ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) الإمام في المغازي (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ) أبيه (عَبْدِ اللهِ) بن عمر بن الخطاب ( ☺ ) وعن أبيه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ) في المنام (مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ) الصديق ☺ ، وفي رواية أبي بكر بن سالم عن سالم في «باب مناقب عمر» [خ¦3682]: أنَّ النبي صلعم قال: «رأيت في المنام أنِّي أنزع بدلو بكرة على قَليب، فجاء أبو بكر» (فَنَزَعَ) بنون فزاي فعين مهملة مفتوحات، أخرجَ الماء من البئر للاستقاء (ذَنُوبًا) بفتح الذال المعجمة، دلوًا مملوءًا ماء (أَوْ ذَنُوبَيْنِ) بالشكِّ للأكثر، وفي رواية همَّام في «التعبير» [خ¦7022]: «ذَنُوْبَين» من غير شكٍّ (وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ) أي: استقائِهِ (ضَعْفٌ) بسكون العين وضم الفاء منوَّنة في الفرع، والذي في أصله: ”ضَعُفَ“ بضمِّ العين وفتح الفاء (وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ) أي: أنَّه على مهلٍ ورِفقِ، وليس فيه حطٌّ مِن فضيلته، بل هو إشارةٌ إلى ما فُتِحَ في زمانه من الفتوح، وكانت قليلةً لاشتغاله بقِتال(3) أهل الرِّدَّة مع قِصَرِ مُدَّة خِلافته‼. وقولُ مَن قال: إنَّ المرادَ الإشارةُ إلى مُدَّةِ خِلافتهِ، قال الحافظ ابنُ حَجَرٍ: فيه نظرٌ، لأنَّه وَلِيَ سنتين وبعضَ سنةٍ، فلو كان ذلك المرادَ؛ لقال: ذنوبين أو ثلاثة، ويؤيِّدُه ما وقع في حديثِ ابنِ مسعودٍ في نحو هذه القِصَّة: فقال النبيُّ صلعم : «فاعبرها يا أبا بكر» فقال: أَلِي الأمرَ مِن بعدِكَ، ثمَّ يليه عمرُ، قال: كذلك عبَّرها المَلك، أخرجه الطبرانيُّ، لكن في إسنادِه أيوب بن جابر، وهو ضعيف (ثُمَّ أَخَذَهَا) أي: الذَّنوب (عُمَرُ) بنُ الخَطَّابِ ☺ (فَاسْتَحَالَتْ) أي: انقلبتْ (بِيَدِهِ غَرْبًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدَها موحَّدة، دَلْوًا عظيمًا أكبر من الذَّنوب، وفيه إشارةٌ إلى عِظَمِ الفتوح التي كانتْ في زمنه ☺ وكثرتِها، وكان كذلك(4)، ففتح(5) الله تعالى عليه من البلاد والأموال والغنائم، ومصَّر الأمصار، ودوَّن الدواوين، لطول مُدَّتِه (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا) بفتح العين المهملة وسكون الموحَّدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد التحتيَّة، كاملًا قويًّا سيِّدًا (فِي النَّاسِ يَفْرِي) بفتح التحتيَّة وسكون الفاء وكسر الراء (فَرِيَّهُ) بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتيَّة، يعملُ عملَه ويقوى قوَّتَه (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ(6)) بفتح العين والطاء المهملتين آخره نون، مُناخ الإبل إذا صدرت عن الماء، والعَطَن للإبل كالوطن للناس، لكن غلب على مَبْرَكِها حول الحوض، وقال ابن الأنباريِّ: معناه: حتى رَوَوْا وأَرْوَوا إِبِلَهُم وأَبْرَكُوها وضربوا لها عَطَنًا، أي: لتشرب عَللًا بعد نَهَل، وتستريح فيه، وقال القاضي عِياض: ظاهرُ هذا الحديث أنَّه عائدٌ إلى خلافة عمرَ، وقيل: يعود إلى خلافتهما معًا، لأنَّ أبا بكرٍ جَمَعَ شملَ المسلمين أوَّلًا بدفع أهل الرِّدَّة، وابتدأ الفتوح في زمانه(7)، ثم عهد إلى عمرَ، فكثُرت في خلافتِه الفتوحُ، واتَّسَعَ أمرُ الإسلام، واستقرتْ قواعدُه (وَقَالَ هَمَّامٌ) هو ابن مُنَبِّه ممَّا وصله في «التعبير» [خ¦7022] من هذا الوجه ومن غيرِه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”سمعتُ أبا هريرةَ ☺ “ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه قال: (فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ) ولأبي ذرٍّ: ”ذنوبًا أو ذنوبين“. وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في محالِّها [خ¦7022].


[1] «والجمع»: ليس في (ب).
[2] «القرشي»: مثبت من (د).
[3] في (ص) و(م): «بقتل».
[4] في غير (د) و(س): «ذلك».
[5] في (ص) و(م): «فتح».
[6] تصحف في (ب): «بطعن».
[7] في (ب) و(س): «زمنه».