إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام

          3493- 3494-وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه قال: (أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) هو ابن عبد الحميد (عَنْ عُمَارَةَ) بن القعقاع (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) هَرِمٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أنَّه (قَالَ: تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ) زاد الطَّيالسيُّ: «في الخير والشرِّ» (خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا) بضمِّ القاف، ولأبي ذرٍّ: ”فَقِهُوا“(1) بكسرِها، أي: في الدِّين، ووجه التَّشبيه اشتمالُ المعادِن على جواهرَ مختلفةٍ؛ من نفيسٍ وخسيسٍ، وكذلك النَّاسُ، فمَن كان شريفًا في الجاهليَّة لم يزدْه الإسلامُ إلَّا شرفًا، وفي قوله: «إذا فقهوا» إشارةٌ إلى أنَّ الشَّرف الإسلاميَّ لا يتمُّ إلَّا بالتفقُّه في الدِّين (وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ) أي: مِن خيرهِم (فِي هَذَا الشَّأْنِ) في الولاية، خلافةً أو إمارةً (أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً) لِمَا فيه من صعوبة العمل بالعَدْل، وحمل النَّاس على رفع الظُّلم، وما يترتَّب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم بذلك من حقوقه وحقوق عباده، و«كراهيةً» نُصِبَ على التمييز، و«أشدَّهم» مفعولٌ ثانٍ لـ «تَجِدُونَ» (وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الوَجْهَيْنِ) بنصب «ذا» مفعولٌ ثانٍ لـ «تجدون»، وهو المنافق (الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) قال الله تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء}[النساء:143]. فإن قلت: هذا يقتضي الذَّمَّ(2) على ترك طريقة المؤمنين وترك(3) طريقة الكفَّار، والذَّمُّ على ترك(4) طريقة الكفَّار غيرُ جائزٍ، أُجيب بأنَّ طريقةَ الكفَّار وإن كانت خبيثةً إلَّا أنَّ طريقة النِّفاق أخبثُ منها؛ ولذا ذمَّ المنافقين في تسع عشرة آيةً.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «الفضائل» بتمامه، وفي «الأدب» بقصَّة ذي الوجهين [خ¦6058].


[1] «فقهوا»: مثبتٌ من (د) و(م).
[2] في (د) ونسخة على هامش (م): «ذمَّهم».
[3] «ترك»: مثبتٌ من (د) و(م).
[4] «ترك»: سقط من (د).