إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل

          3622- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذر: ”حدَّثنا“ (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) بنِ كُريب الهَمْدانيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ) أبو أسامة القُرشيُّ مولاهم الكوفيُّ (عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) بضمِّ الموحَّدة مصغَّرًا (بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) بضمِّ الموحَّدة وسكون الراء (عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ) الحارث أو عامر (عَنْ أَبِي مُوسَى)‼ عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ☺ (أُرَاهُ) بضمِّ الهمزة أَظنُّه (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) والقائل أُراه: قال الحافظ ابن حجر هو البخاريُّ، كأنَّه شكَّ هل سمع من شيخه صيغة الرفع أم(1) لا؟ وقد ذكره مسلمٌ وغيرُه عن أبي كُريب محمَّد بن العلاء شيخ المؤلف فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة، بل جزموا برفعه إلى النبي صلعم أنَّه (قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي) بفتح الواو والهاء وتُسكَّن _وبه جزم في «النهاية»(2)_ وكسر اللَّام، أي: وهمي (إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ) بفتح الهاء والجيم، غيرُ منصرفٍ، مدينة معروفةٌ باليمن، ولأبي ذرٍّ: ”أو الهجر“ بزيادة «أل» (فَإِذَا هِيَ) مبتدأٌ و«إذا» للمفاجأة (المَدِينَةُ) خبرُه / (يَثْرِبُ) بالمثلَّثة عطفُ بيانٍ، والنهيُ عن تسميتها بها للتنزيه، أو قاله قبلَ النهيِ (وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ) بمعجمتين (سَيْفًا) هو سيفه ذُو الفَقار (فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ) وعند ابن إسحاقَ: ورأيتُ في ذُباب سيفي ثَلمًا (فَإِذَا هُوَ) تأويلُه (مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ) وذلك، لأنَّ سيف الرجل أنصارُه الذين يصُولُ بهم كما يصُولُ بسيفه، وعند ابن هشامٍ: حدَّثني بعضُ أهل العلم أنَّه صلعم قال: «فأما(3) الثلم في السيف فهو رجلٌ من أهل بيتي يُقتل» وفي رواية عروة: كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه صلعم (ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى) ولأبي ذرٍّ: ”أخرى“ بإسقاط الموحَّدة (فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُو مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ) لمكَّة (وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ) وإصلاحِ حالهم (وَرَأَيْتُ فِيهَا) في رؤياه (بَقَرًا) بالموحَّدة والقاف (وَاللهُ) بالرفع في «اليونينية» فقط، ورَقَم عليه علامةُ أبي ذرٍّ وصحَّح وكَشَطَ الخفضة تحت الهاء(4) (خَيْرٌ) رفعٌ مبتدأٌ وخبرٌ، وفيه حذف، أي: وصنع الله بالمقتولين خيرٌ لهم مِن مقامهم في الدنيا، وفي نسخة: ”واللهِ“ بالجرِّ على القَسَم لتحقيق الرؤيا، ومعنى «خيرٌ» بعد ذلك: على التفاؤل في(5) تأويل الرؤيا، كذا قاله(6) في «المصابيح» (فَإِذَا هُمُ) أي: البقر (المُؤْمِنُونَ) الذين قُتلوا (يَوْمَ أُحُدٍ) وفي «مغازي أبي الأسود» عن عروة: بقرًا يُذبح(7)، وبهذه الزيادة يتمُّ التأويل؛ إذ ذَبْحُ البقر هو قتلُ الصحابة بأُحدٍ، وفي حديث ابن عبَّاس عند أبي يَعلى: فأوَّلتُ البقر الذي رأيت بَقْرًا يكون فينا، قال: فكان ذلك مَن أُصيب مِن المسلمين، وقوله: «بَقْرًا» بفتح الموحَّدة وسكون القاف، مصدر بقره يبقره بقرًا، وهو شقُّ البطن، وهذا أحدُ وُجوه التعبير، وهو أن يُشتَقَّ مِن الأمر‼ معنًى يُناسبه، والأَولى أن يكون قولُه: «والله خير» مِن جملة الرؤيا، وأنَّها(8) كلمةٌ سمعها عند رؤيا البقر، بدليل تأويله لها بقوله صلعم : (وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الخَيْرِ) ولأبي ذرٍّ: ”ما جاء الله به من الخير“ (وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللهُ) بالمدِّ، أعطانا الله ╡ (بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ) بنصبِ دال «بعد» وجرِّ ميم «يوم» أي: من فتح خيبر ثم مكَّة، قال في «الفتح»: ووقع في روايةٍ: ”بعدُ“ بالضمِّ، أي: بعد أحد، ونصب ”يوم“(9) أي: ما جاءنا الله به بعد بدر الثانية مِن تثبيت قلوب المؤمنين.
          وهذا الحديث أخرجه مقطَّعًا في «المغازي» [خ¦3987] [خ¦4081] و«التعبير» [خ¦7035] [خ¦7041]، ومسلمٌ في «الرؤيا»، وكذا النَّسائيُّ وابن ماجه.


[1] في (ب) و(س): «أو».
[2] عبارة النهاية في غريب الحديث (5/233): وَهَل إلى الشيء بالفتح، يهل بالكسر، وهْلًا بالسكون.
[3] في (ب) و(د) و(س): «وأما».
[4] في (ص): «التاء».
[5] في (ب): «من».
[6] في (د): «قال».
[7] في (ب) و(د): «تذبح».
[8] في (ص) و(م): «فإنها».
[9] في (د) و(ب): «ويوم بالنصب».