إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر

          3587- 3588- 3589- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُواليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزةَ الأمويُّ مولاهم، واسم أبيه دِينارٌ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبدُ الله بنُ ذكوانَ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبدِ الرحمن بنِ هُرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ . وهذا الحديث قدِ اشتملَ على أربعةِ أحاديثَ، أحدها: قتالُ الترك(1) (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَـْرُ) بفتح العين وتسكينها، يعني: يجعلون نعالهم مِن حبالٍ ضفرت مِنَ الشعر، أو(2) المراد: طولُ شعورهم حتى تصير‼ أطرافُها في أرجلهم موضعَ النِّعال، ولمسلمٍ: «يلبسون الشعر، ويمشون في الشعرِ»(3). وقال ابن دِحيةَ: المرادُ: القندس الذي يلبسونه في الشرابيش، قال: وهو جلد كلبِ الماء (وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ) بضمِّ الذال المعجمة وسكون اللَّام بعدها فاء، جمع «أَذلف» أي: صغير الأنف مستوي الأرنبة، و«صغارَ» و«حمرَ» و«ذلفَ» نُصِبَ صفةً للمنصوب قبلَها (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ) بفتح الميم والجيم المخفَّفة وبعد الألف نون مشدَّدة، جمع «مِجَنّ» بكسر الميم، أي: التُّرْس (المُطْرَقَةُ) بضمِّ الميم وسكون الطاء وفتح الراء مخفَّفة، وهي التي أُلبست الطراق، وهي جلدةٌ تقدَّرُ على قدر الدرقةِ وتُلصقُ عليها، فكأنَّها تُرْسٌ على تُرْسٍ، فشبَّهها بالتُّرْس لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغِلَظِها وكثرةِ لحمها.
          والترك قيل: إنَّهم مِن ولد سام بن نوح، وقيل: من ولد يافث، وبلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين، وبين ما(4) يلي الهند إلى أقصى المعمور.
          وهذا الحديث الأول سبق في «باب قتال الترك» من «الجهاد» [خ¦2928].
          والثاني: قولُه ╕ : (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”وتجدون أشد الناس كراهية“ (لِهَذَا الأَمْرِ) وهي الولايةُ خلافةً أو إمارةً، لما فيه من صعوبة العمل بالعَدْل (حَتَّى يَقَعَ فِيهِ) فتزول عنه الكراهية لِمَا يَرى من إعانة الله على ذلك لكونه غير سائل.
          وهذا قد سبق في «المناقب» [خ¦3493] [خ¦3496].
          والثالث: قولُه صلعم : (وَالنَّاسُ مَعَادِنُ) جمع «معدِن» وهو الشيء المستقِرُّ في الأرض، فتارةً يكونُ نفيسًا، وتارةً يكونُ خسيسًا، وكذلك الناس (خِيَارُهُمْ فِي / الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلَامِ) فصفةُ الشرفِ لا تتغيَّرُ في ذاتِها(5)، بل مَن كان شريفًا في الجاهليَّة فهو بالنسبة إلى أهل الجاهليَّة رأس، فإن أسلمَ استمرَّ شرفُه وكان أشرفَ ممَّن أسلم من المشروفين في الجاهليَّة.
          وهذا قد سبق في «المناقب» أيضًا [خ¦3493] [خ¦3496].
          والرابع: قولُه ╕ : (وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ) أي: بعدَ موته صلعم (لَأَنْ يَرَانِي) فيه (أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ) فكلُّ واحدٍ مِنَ الصحابة فمَن بعدَهم مِنَ المؤمنين يتمنَّى رؤيتَه ╕ ، ولو فَقَدَ أهلَه ومالَه.


[1] في (م): «للترك».
[2] في (م): «و».
[3] قوله: «ويمشون في الشعر»: ليس في (ص).
[4] في (م): «بينهما».
[5] في (م): «ذلتها».