التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور وذلك أول

          4023- 4024- قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا ضبطه، وأنَّه ابن راشد [خ¦4] [خ¦4022]، وكذا (الزُّهْرِيُّ): محمَّد ابن مسلم، و(مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ): هو ابن مطعم، تَقَدَّم هو وأبوه جبير بن مطعم الصَّحابيُّ ☺.
          قوله: (وَذَلِكَ أَوَّلَ): هو منصوبٌ على الظرف، و(وَقَرَ) معناه: سكن وثبت.
          قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ...) إلى آخره: هذا معطوف على السند الذي قبله، وقد رواه البُخاريُّ _أعني: هذا_ عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهريِّ به؛ فاعلمه، وإيَّاك أن تجعلَهُ تعليقًا، والله أعلم.
          تنبيهٌ: لا يظهر لي تخريج هذين الحديثين هنا، وكذا الحديث الذي قبلهما: (كَانَ عَطَاءُ البَدْرِيِّينَ...) إلى آخره؛ وذلك لأنَّ هذا الباب ساقه شاهدًا لِمَن شهد بدرًا من المسلمين، ثُمَّ عَمِل بعده جريدة، ذكر فيها أسماء الجماعة الذين ذَكرهم في هذا الباب مع غيرهم أنَّهم شهدوا بدرًا، وإذا كان كذلك؛ فلا تعلُّق للأحاديث الثلاثة بذلك، وجُبير أسلم قبل خيبر، وقيل: يوم الفتح، والمطعم هلك على كفره، نعم؛ لها تعلُّق بيوم بدر، والله أعلم، وسيجيء الكلام قريبًا على (المطعم).
          ثُمَّ ظهر لي أنَّ ذِكْره عطاءَ البدريِّين؛ لأنَّ عمر مدحهم بقوله: (لأفضِّلنَّهُم عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ) [خ¦4022]، وأمَّا حديث جُبير؛ فلأنَّه جاء في [فداء] أُسارى بدر، فسمع النَّبيَّ صلعم يقرأ في المغرب بالطور [خ¦4023]، والمعطوف الذي للزهريِّ يُسنده إلى جبير؛ لأنَّه يتعلَّق بأسرى بدر، وأنَّ المطعم لو كان حيًّا ثُمَّ كلَّمه ◙ فيهم _أي: الأسرى_؛ لتركهم له، فالأحاديث الثلاثة هنا لها تَعَلُّقٌ ببدرٍ، لكن ليس فيها ذكر تسمية أحدٍ منهم، والله أعلم.
          قوله: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ): (المطعم) هلك كافرًا قبل بدر بلا خلاف بين أهل التواريخ، والسِّيَر، وغيرهم، وقال الشيخ أبو إسحاق في «المهذَّب» في (السِّيَر): (إنَّ المطعم بن عديٍّ قتله النَّبيُّ صلعم يوم بدرٍ كافرًا في الأسر)، وهذا غلطٌ، وإنَّما الذي قتله يوم بدر طعيمةُ بن عديٍّ، لكنَّه قُتِل في حال القتال لا في الأسر، وقد قدَّمتُ ذلك [خ¦3139]، و(النَّتْنَى): جمع نَتِن؛ كزَمْنى وزَمِن، يقال: أَنتن الشيءُ؛ فهو مُنتنٌ ونَتِنٌ، وعُزيَ للخطابيِّ: أنَّه كزَمنى وزَمِن، وإلى غيره: كجَرِيح وجَرحى.
          تنبيهٌ: تَقَدَّم هذا كلُّه ومعه أنَّ المراد بـ(النَّتْنَى): الأسرى في بدر، وسمَّاهم نتْنى؛ لكُفرهم؛ كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة:28]، وكانوا سبعين كما تَقَدَّم [خ¦3139].
          تنبيهٌ هو فائدةٌ: إنَّما قال صلعم في حقِّ المطعم ذلك؛ لأنَّه قام في نقض الصحيفة، وهذه الصحيفة معروفةٌ مشهورةٌ، وحين خرج ◙ بعد موت خديجة وأبي طالب إلى الطائف _وذلك في ليالٍ بقينَ من شوَّالٍ سنةَ عَشْرٍ من النُّبوَّة، ثُمَّ رجع إلى مكَّة_؛ دخل في جوار المطعم بن عديٍّ بعد أن بعث إلى الأخنس بن شَريق ليجيره، فقال: (أنا حليفٌ، والحليف لا يُجير)، فبعث إلى سهيل بن عَمرو، فقال: (إنَّ بني عامر لا تُجير على بني كعب)، فبعث إلى المُطعم بن عديٍّ، فأجابه إلى ذلك، / ثُمَّ تسلَّح المُطعم وأهل بيته، وخرجوا حتَّى أتوا المسجد، ثُمَّ بعث إلى رسول الله صلعم أن ادخل، فدخل فطاف بالبيت وصلَّى عنده، ثُمَّ انصرف إلى منزله، وقد تَقَدَّم ذلك مع بحث مع السُّهيليِّ [خ¦2297]، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بنِ سعيد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّـَب): هذا تعليق مجزوم به موقوف على (ابن المُسَيِّـَب)، وإن شئت؛ سمَّيته مقطوعًا، و(اللَّيْثُ): هو ابن سعد الإمام، و(يحيى بن سعيد): هو الأنصاريُّ القاضي، و(سعيد بن المُسَيِّـَب): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز في يائه إلَّا الفتح [خ¦26].
          قوله: (وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى _يَعْنِي: مَقْتَلَ عُثْمَانَ_ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا): أمَّا (مقتل عثمان)؛ فقد قدَّمتُ أنَّه قُتِلَ شهيدًا يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذي الحجَّة سنة خمس وثلاثين، وقِيل: قُتِل يوم الأربعاء وهو ابن تسعين سنة، وقِيل غير ذلك [خ¦62/7-5553].
          وقوله: (فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا): تَقَدَّم الخلاف في عدَّة أصحاب بدر [خ¦3951]، قال شيخُنا: (ونُسِبَ ذلك إلى الوهم، يوضِّحه أنَّ عليًّا والزُّبَير وطلحة وسعدًا وسعيدًا وغيرهم كثيرًا عاشوا بعد ذلك إلى صفِّين)، انتهى، وفي ذلك نظرٌ؛ لأنَّ طلحة والزُّبَير قُتِلا ☻ قبل صفِّين، وقد قُتِل طلحة في الجمل سنة ستٍّ وثلاثين، والزُّبَير قُتِل بعد انصرافه عن الجمل في تلك الأيام، قال شيخنا: (بل ذكر أبو العبَّاس ابن عُقْدَة: أنَّ نيِّفًا وسبعين رجلًا شهدوها من البدريِّين مع الاختلاف فيه لا جرم، قال الداوديُّ: «عنى بـ«الفتنة الأولى»: مقتل الحسين»)، انتهى.
          تنبيهٌ: أبو العبَّاس ابن عُقْدَة اسمه أحمد بن محمَّد بن سعيد، حافظ مشهور، شيعيٌّ متوسِّط، ضعَّفه غير واحد، وقوَّاه آخرون، والله أعلم.
          تنبيهٌ ثانٍ: روى حَبَّة بن جُوين العُرنيُّ الكوفيُّ _وهو من غُلاة الشيعة_: (أنَّ عليًّا كان معه بصفِّين ثمانون بدريًّا)، وهذا محالٌ، وحبَّة غير ثقة؛ كما قاله ابن معين، وقال النَّسائيُّ: (ليس بالقويِّ)، وفيه مقال غير ذلك، وقد وثَّقه العجليُّ، وقال الذَّهبيُّ في قوله في عليٍّ: (إنَّه حضر معه ثمانون بدريًّا صفِّين)، فقال: (حَبَّةُ شيعيٌّ جبل قال ما يُعلَم بطلانُه)، فذكر حضورَهم معه صفِّين.
          تنبيهٌ آخر: ذكر الحاكم في «المستدرك» في (الفتن والملاحم) بإسناده عن معمر، عن أيُّوب، عن ابن سيرين: (ثارت الفتنة وأصحابُ رسول الله صلعم عشرة آلافٍ لم يُجب فيها منهم [إلَّا] أربعون رجلًا من أهل بدر، فيهم: أبو أيُّوب، وسهل بن حنيف، وعمَّار بن ياسر)، قال الذَّهبيُّ: (كذا قال، ولم يكن بقي من البدريِّين عشرون أو ثلاثون نفسًا في الفتنة)، انتهى.
          تنبيهٌ: آخِرُ مَن مات من البدريِّين عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيديُّ، هذا على القول بأنَّه شهد بدرًا، وقد ذكره بذلك أبو عبد الله ابن منده، ولا يصحُّ شهوده بدرًا، وقد توفِّي سنة ░86هـ▒، وقِيل غير ذلك، ويقال: إنَّ آخرَهم موتًا أبو أُسيدٍ الساعديُّ، توفِّي سنة ستِّين، وقِيل غير ذلك في وفاته، والله أعلم.
          قوله: (ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ؛ يَعْنِي: الْحَرَّةَ): تَقَدَّم مَرَّاتٍ أنَّ (الحرَّة) سنة ثلاث وستِّين من الهجرة بمدينة النَّبيِّ صلعم [خ¦1354] [خ¦2959]، وانتُهكت حرمة المدينة ونُهبَت، وقد قدَّمتُ عدَّة مَن قُتل فيها من المعروفين ومن غيرهم مطوَّلًا؛ فانظره [خ¦2959].
          قوله: (فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا): فيه نظرٌ؛ لأنَّ آخر مَن توفِّي من أصحاب الشجرة من الصَّحابة: عبد الله بن أبي أوفى، توفِّي سنة ░86هـ▒، وقيل: سنة ░88هـ▒.
          قوله: (ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ): قال شيخنا: (قال الدِّمياطيُّ: «المعروف: ولو وقعت الثالثة؛ لم ترتفع...» إلى آخره، كما رواه ابن أبي خيثمة: حدَّثنا نصر بن المغيرة البخاريُّ: حدَّثنا سفيان، عن يحيى _يعني: ابن سعيد_ قال: سمعتُ سعيدًا يقول: «وقعت فتنة الدار، فلم تُبْقِ من أهل بدر أحدًا، ووقعت فتنة الحرَّة، فلم تُبْقِ من أهل الحديبية أحدًا، ولو وقعت فتنةٌ؛ لم(1) ترتفع وللناس طَباخ»).
          قوله: (ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ): قال شيخنا: (هي الفتنة التي كانت بالعراق مع الأزارقة وغيرهم، وقال ابن التين: «يحتمل أن يكون يوم خرج بالمدينة أبو حمزة الخارجيُّ؛ لأنَّ يحيى بن سعيد قال: «لم نترك الصلاة في مسجد الرسول منذ كان الرسول إلَّا ثلاثة أيام؛ يوم قتل عثمان ويوم الحرَّة، قال مالك: ونسيت الثالثة»، قال محمَّد بن عبد الحكم: «هو يوم خرج بها أبو حمزة الخارجيُّ»)، انتهى، وإنَّما يتأتَّى ذلك على رواية البُخاريِّ، لا على رواية ابن أبي خيثمة المُتَقدِّمة، والله أعلم.
          قوله: (وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ): هو بفتح الطاء المهملة، وتخفيف الموحَّدة، وفي آخره خاء معجمة، قال ابن قُرقُول: (أي: عقل، وقيل: قوَّة، وقيل: المراد: بقيَّة الخير في المذهب، وأصله: القوَّة، ثُمَّ استعمل في العقل والخير)، انتهى، وفي «القاموس»: (وكالسحاب، ويُضمُّ: الإحكام، والقوَّة، والسِّمَنُ)، انتهى، وقال ابن الأثير: (أصل الطَّباخ: القوَّة والسِّمَن، ثُمَّ استُعمل في غيره، فقيل: فلان لا طَباخ له؛ أي: لا عقل له ولا خير عنده؛ أراد أنَّها لم تُبْقِ في الناس من الصَّحابة أحدًا).


[1] في (أ): (فلم)، والمثبت من مصدره.