التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أن عليًا كبر على سهل بن حنيف

          4004- قوله: (حدَّثنا(1) مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ)؛ هو بفتح العين، وتشديد الموحَّدة، وهو محمَّد بن عبَّاد بن الزِّبرقان، مشهورٌ، قال أبو مسعود: (لم يرو البُخاريُّ عن محمَّد بن عبَّاد في «الصحيح» غير هذا الحديث، قال: وهذا ممَّا سمعه ابن عيينة أوَّلًا من إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعْبيِّ، عن عبد الله ابن معقل، ثُمَّ سمعه من ابن الأصبهانيِّ عن ابن معقل، وحكى الحميديُّ عن أبي بكر البرقانيِّ قال: «لم يبيِّن البُخاريُّ عدد التكبير، وهو عند ابن عيينة بإسناده، وفيه: أنَّه كبَّر ستًّا»)، انتهى كلام المِزِّيِّ في أطرافه.
          قوله: (أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ)؛ معنى (أَنْفَذَهُ): جهَّزه، ويحتمل أن يكون معناه: أَجَازه، والظَّاهر الأوَّل، فإن كان جهَّزه؛ أي: كتبه وجهَّزه، وقد تَقَدَّم الكلام على الرواية بالكتابة غير المقرونة بالإجازة كهذه، وأنَّ الصحيح جواز الرواية بها على الصحيح المشهور، وكذا المقرونة، وكذا تَقَدَّم أنَّ الإجازة معمولٌ بها على الصحيح [خ¦637]، والله أعلم، و(ابن الأصبهانيِّ): هو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن الأصبهانيِّ الكوفيُّ، كان يتَّجر إلى أصبهان، وثَّقهُ ابن معين وغيره، أخرج له الجماعة.
          قوله: (سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِلٍ): هو بفتح الميم، وإسكان العين المهملة، وكسر القاف، وهو عبد الله ابن معقل بن مقرِّن المزنيُّ، كوفيٌّ، ثقةٌ، من خيار التَّابعين، أخرج له الجماعة حاشى أبا داود(2).
          قوله: (أَنَّ عَلِيًّا(3) كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا): تَقَدَّم أعلاه كلام المِزِّيِّ عن الحُميديِّ أنَّه كبَّر عليه ستًّا، انتهى، وعزاه بعض حُفَّاظ العصر لـ«مستخرج الإسماعيليِّ»، وقال الحافظ أبو ذرٍّ: (كبَّر عليه خمسًا)، وروى البغويُّ في كتاب «المعجم»: (أنَّ عليًّا كبَّر عليه ستًّا)، وعُزيَ إلى «كتاب البرقانيِّ» أيضًا، وفي «المستدرك» في ترجمة سهل: (أنَّ عليًّا كبَّر عليه ستًّا، ثُمَّ التفت إلينا فقال: إنَّه من أهل بدر)، سكت عليه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، وقد رأيت في نسخة بـ«البُخاريِّ»: (ستًّا) بعد (سهل بن حُنيف)؛ أي: كبَّر عليه ستًّا، وعمل عليها صورة نسخة، وسيجيء قريبًا: (أنَّ عليًّا كبَّرعلى أبي قتادة سبعًا).
          قال القاضي عياض: (اختلفتِ الآثار في ذلك _يعني: في التكبير على الجنازة_ فجاء من رواية ابن أبي خَيثمة أنَّه صلعم كان يكبِّر أربعًا، وخمسًا، وستًّا، وسبعًا، وثمانيًا حتَّى مات النَّجاشيُّ فكبَّر عليه أربعًا، وثبتَ على ذلك حتَّى توفِّي صلعم، قال: واختلفت الصَّحابة في ذلك مِن ثلاث تكبيراتٍ إلى تسع، قال: ورُويَ عن عليٍّ ☺: أنَّه كان يكبِّر على أهل بدرٍ ستًّا، وعلى سائرِ الصَّحابة خمسًا، وعلى غيرهم أربعًا.
          قال ابن عبد البَرِّ: «وانعقد الإجماع بعد ذلك على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم شذوذٌ لا يُلتفت إليه، قال: ولا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار يخمِّس إلَّا ابن أبي ليلى»)، انتهى، وقد تَقَدَّم الكلام على تكبير الجنازة في (الجنائز) [خ¦23/64-2105]، أفاد شيخنا في (الجنائز): أنَّها روايةٌ عن أبي يوسف قال: (وحكاها في «المبسوط»)، / قال: (وهو مذهب ابن حزم)، انتهى.
          وفي «الاستيعاب» في ترجمة أبي قتادة في (الكنى) بسنده إلى الشَّعْبيِّ: (أنَّ عليًّا كبَّر عليه سبعًا)، انتهى، وهذا على القول بأنَّه توفِّي في حياةِ عليٍّ، وفي المسألة قول آخر حكاه أبو عُمر في «الاستيعاب»: أنَّه توفِّي سنة أربع وخمسين، والشَّعْبيُّ أدرك عليًّا ☺، وسمع منه حرفًا واحدًا، قاله الدارقطنيُّ، وقد أخرج له عنه البُخاريُّ، وهو لا يكتفِ بمجرَّد إمكان اللقاء، وقال عبد الحقِّ فيما رأيته عنه: (إنَّه رأى عليًّا)، انتهى، وتوقَّف بعضُهم في سماعه منه، وقد ولد سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (حدثني).
[2] في (أ): (النسائي)، والتصحيح من كلام المصنف في الحديث ░1217▒، وانظر «تهذيب الكمال» ░16/169▒، «الكاشف» ░2/128▒، «تهذيب التهذيب» ░2/437▒.
[3] زيد في «اليونينيَّة» و(ق): (☺)، وهي ساقطة من (أ).