عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب بيع المدبر
  
              

          ░110▒ (ص) بابُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم بيع المدبَّر؛ وهو المعلَّق عتقُه بموت سيِّده، كذا قالوا.
          قُلْتُ: (التدبير) لغةً: النظر فيما يَؤُولُ إليه عاقبتُه، وشرعًا: (التدبير) تعليق العتق بمطلق موته؛ كقوله: إذا متُّ فأنت حرٌّ، أو: أنت حرٌّ يوم أموت، أو: أنت حرٌّ عن دُبُرٍ منِّي، أو: أنت مدبَّرٌ، أو: دبَّرتُك، أو قال: أعتقتُك بعد موتي، أو: أنت عتيقٌ أو معتَقٌ أو محرَّرٌ بعد موتي، أو: إن مُتُّ فأنت حرٌّ، أو: إن حَدَثَ لي حدثٌ فأنت حرٌّ؛ لأنَّ الحدث يُراد به الموتُ عادةً، وكذا إذا قال: أنت حرٌّ مع موتي، أو في موتي فهذه كلُّها ألفاظ التدبير المطلق، فالحكم فيها أنَّهُ لا يجوز بيعه ولا هبته، ولكنَّه يُستخدَم ويؤْجَر، والأمَة تُوطأ وتُنكح وتُعتق بموت المولى مِن ثلثه، وإن مات فقيرًا يَسْعَى في ثلثي قيمته، ويَسعى في جميع قيمته إن مات المولى مديونًا مستغرقًا، وأَمَّا ألفاظ التدبير المقيَّد؛ فهي كقوله: إن متُّ مِن مرضي هذا، أو مِن سفري هذا؛ فأنت حرٌّ، فحكمه أنَّهُ يجوز بيعه بالإجماع، فإن وُجد الشرط عتق، وقال الشَّافِعِيُّ وأحمد: يجوز بيع المدبَّر بكلِّ حال، وقال القرطبيُّ وغيره: اتَّفقوا على مشروعيَّة التدبير، واتَّفقوا على أنَّهُ مِنَ الثلث، غيرَ الليث بن سعد وزفر فَإِنَّهُما قالا: مِن رأس المال، واختلفوا هل هو عقد جائز أو لازم؟ فمَن قال: لازم؛ منع التصرُّف فيه إلَّا بالعتق، ومن قال: جائزٌ؛ أجاز، وبالأَوَّل قال مالكٌ والأوزاعيُّ والكوفيُّون، وبالثاني قال الشَّافِعِيُّ وأهل الحديث.