عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب التجارة في البز وغيره
  
              

          ░8▒ (ص) باب التِّجَارَةِ فِي الْبَزِّ وغيره.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان إباحة التجارة.
          قوله: (فِي الْبَزِّ) بفتح الباء المُوَحَّدة وتشديد الراء، وقيل: بفتح الباء وتشديد الزاي، قال ابن دُرَيد: البزُّ متاع البيت مِنَ الثياب خاصَّةً، وعن الليث: ضربٌ مِنَ الثياب، وعن الجَوْهَريِّ: هو مِنَ الثياب أمتعة البزَّاز، والبِزازة: حِرفتُه، وقال مُحَمَّد في «السِّيَر الكبير»: البزُّ عند أهل الكوفة ثيابُ الكَتَّان والقطن، لا ثياب الصوف والخزِّ، وقيل: هي السِّلاح والثياب، وقيل: بِضَمِّ الباء وتشديد الراء، قيل: الأكثر على أنَّهُ بالزاي، وليس في الحديث ما يدلُّ عليه بخصوصه، وكذلك ليس في الحديث ما يقتضي تعيين البُرِّ؛ بِضَمِّ الباء وتشديد الراء، والأقرب أن يكون بفتح الباء وتشديد الراء؛ لأنَّه أليق بمؤاخاة الترجمة التي تأتي بعدها ببابٍ؛ وهي قوله: (باب التجارة في البحر)، وإلى هذا مالَ ابنُ عساكر.
          قوله: (وَغَيْرِهِ) ليس هذا اللفظ بموجودٍ في رواية الأكثرين، وإِنَّما هو عند الإسماعيليِّ وكريمة.
          قُلْت: على تقدير وجود هذه اللفظة، الأصوب أنَّ (البز) بالزاي، ويكون المعنى: وغير البزِّ مِن أنواع الأمتعة.
          (ص) وَقَوْلِهِ ╡ : {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}[النور:37].
          (ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفٌ على (التجارة) تقديره: وفي تفسيرِ قوله تعالى: ({رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ}) وأَوَّلُ الآية: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ} قرأ ابن عامر وأبو بكرٍ عن عاصمٍ بفتح الباء على ما لم يُسَمَّ فاعله، ويُسنَد إلى أحد الظروف الثلاثة؛ أعني: {لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ} و({رِجَالٌ}) مرفوعٌ بما دلَّ عليه ({يُسَبَّحُ}) وهو: يُسبَّح له، والباقون بكسر الباء، جعلوا التسبيح فعلًا للرجال، و{رِجَالٌ} فاعلٌ لقوله: {يُسَبِّحُ}.
          فَإِنْ قِيلَ: التجارة اسم يقع على البيع والشراء، فما معنى ضم ذكر البيع إلى التجارة؟ والجواب عنه: قيل: التجارةُ في السفر والبيعُ في الحضر، وقيل: التجارة الشراء، وأيضًا البيع في الإلهاء أدخلُ؛ لكثرته بالنسبة إلى التجارة.
          (ص) وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، لَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ؛ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ.
          (ش) أراد بـ(القَوْمِ) الصحابة، فَإِنَّهُم كانوا في بيعهم وشرائهم إذا سمعوا إقامة الصلاة يتبادرون إليها لأداء حقِّ الله تعالى، ويؤيِّد هذا ما أخرجه عبد الرَّزَّاق مِن كلام ابن عُمَر، أنَّهُ كان في السوق، فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانِيتَهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت... فذكر الآية، وقال ابن بَطَّالٍ: ورأيت في تفسير الآية، قال: كانوا حدَّادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المِطْرَقة أو غَرَز الإشفى، فسمع الأذان؛ لم يُخرِج الإِشفى مِن الغرزة، ولم يوقِع المِطْرَقة، ورمى بها، وقام إلى الصلاة، وفي الآية نعتُ تجَّارِ الأُمَّة السالفة، وما كانوا عليه مِن مراعاة حقوق الله تعالى، والمحافظة عليها، والتزام ذكرِ الله تعالى في حَال تجاراتهم، وصبرهم على أداء الفرائض وإقامتها، وخوفهم سوء الحساب والسؤال يوم القيامة.