عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تفسير المشبهات
  
              

          ░3▒ (ص) بَابُ تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان تفسيرِ (الْمُشَبَّهَاتِ) بِضَمِّ الميم وفتح الشين المُعْجَمة والباء المُوَحَّدة المشدَّدة المفتوحة، جمع (مشبَّهة) وهي / التي يأتي فيها من شبه طرفين متخالفين، فيُشبِهُ مَرَّةً هذا ومرَّة هذا، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}[البقرة:70] أي: اشتبهَ، وفي بعض النُّسَخ: <باب تفسير المشتبِهات> مِن (اشتبه) من (باب الافتعال) وفي بعضها: <باب تفسير الشُّبُهَاتِ> بِضَمِّ الشين والباء، جمع (شبهة)، وقال الخَطَّابيُّ: كلُّ شيءٍ يشبِهُ الحلالَ مِن وجهٍ والحرامَ مِن وجهٍ؛ فهو شبهةٌ، و«الحلالُ اليقينُ»: ما عَلِمَ ملكه يقينًا لنفسه، و«الحرامُ البَيِّنُ» ما علم ملكه لغيره يقينًا، و«الشبهة» ما لا يدري أهُوَ لغيره أو له؟ فالورعُ اجتنابُه، ثُمَّ الورع على أقسام؛ واجبٌ كالذي قلنا، ومستحَبٌ كاجتنابِ معاملة مَن أكثرُ مالِه حرامٌ، ومكروهٌ كالاجتنابِ عن قبولِ رُخَصِ الله تعالى والهدايا، ومِن جملته أن يدخلَ الرجلُ الخراسانيُّ مثلًا بغدادَ، ويمتنع مِنَ التزوُّج بها معَ الحاجة إليه، يزعم أنَّ أباه كان ببغدادَ، فربَّما تزوَّج بها، ووُلِدَت له بنتٌ، فتكون هذه المنكوحةُ أختًا له.
          (ص) وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.
          (ش) (حَسَّانُ) ابْنُ الْحَسَنِ _أو الحُسَين_ (ابْنِ أَبِي سِنَانٍَ) بكسرِ السين المُهْمَلة وتخفيف النون، ينصرف ولا ينصرف.
          هذا التَّعليقُ رواه أَبُو نُعَيْم الحافظ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جعفرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحمدَ بن عَمْرٍو: حَدَّثَنَا عبد الرَّحْمَن بن عُمَر رُسْتَه قال: حَدَّثَنَا زُهَيرُ بنُ نعيم البابيُّ قال: اجتمع يونسُ بنُ عُبَيدٍ وحسَّانُ بنُ أبي سنان _يعني: أبا عبد الله عابد أهل البصرة_ فقال يونس: ما عالجتُ شيئًا أشدَّ عليَّ مِنَ الورع، فقال حسَّانُ: ما عالجتُ شيئًا أهونَ عليَّ منه، قال يونسُ: كيف؟ قال حسَّانُ: تركت ما يَريبُني إلى ما لا يَريبني، فاسترحت، وأيضًا قالَ: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن مالكٍ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أحمد: حدَّثني الحسن بن عبد العزيز الجرويُّ قال: كتب إلينا ضَمْرَة عن عبد الله بن شَوْذَب قال: قال حسَّانُ بنُ أبي سنان: ما أيسر الورعَ! إذا شككت في شيء؛ فاتركه.
          قُلْت: لفظ: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) صحَّ مِن حديث الحسن بن عليٍّ ☻، قال التِّرْمِذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسناد، وشاهده حديثُ أبي أمامة: أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلعم : ما الإيمان؟ قال: «إذا سرَّتْكَ حَسَنَةٌ وساءَتْكَ سَيِّئَةٌ؛ فأنت مُؤْمِنٌ» قال: يا رسول الله؛ ما الإثم؟ قال: «إذا حكَّ في صدرك شيءٌ؛ فدعْه».
          قوله: (يَرِيبُكَ) مِنَ الرَّيب؛ وهو الشكُّ، ورابَني فلانٌ؛ إذا رأيتَ منه ما يَرِيبُك.