عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض
  
              

          ░57▒ (ص) بابٌ إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً، فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه إذا اشترى شخصٌ متاعًا، أو اشترى دابَّةً، فوضعه _أي: المتاعَ_ عند البائعِ، أو مات البائعُ قبل أن يُقبَضَ المبيعُ، وجواب (إذا) محذوفٌ، ولم يذكره؛ لمكان الاختلافِ فيه.
          قال ابن بَطَّالٍ: اختلف العلماءُ في هلاك المبيعِ قبل القبض؛ فذهب أبو حنيفة والشَّافِعِيُّ إلى أنَّ ضمانَه إن تلِفَ مِنَ البائع، وقال أحمدُ وإسحاق وأبو ثور: مِنَ المشتري، وأَمَّا مالكٌ ففرَّق بين الثياب والحيَوان، فقال: ما كان مِنَ الثياب والطعام فهلك قبل القبض؛ فضمانُه مِنَ البائع، وقال ابنُ القاسم: لأنَّه لا يُعرَفُ هلاكُه ولا بيِّنةَ عليه، وأَمَّا الدوابُّ والحيَوان والعقار؛ فمصيبتُه مِنَ المشتري، وقال ابن حبيب: اختَلَف العلماء فيمن باع عبدًا واحتبَسَه بالثمنِ، وهلك في يده قبل أن يأتيَ المشتري بالثمن؛ فكان سعيد بن المُسَيَِّبِ وربيعةُ واللَّيث يقولون: هو مِنَ البائع، وأخذه ابنُ وَهْب، وكان مالكٌ قد أخذهُ بِهِ أيضًا، وقال سُلَيمان بن يَسار: مصيبتُه مِنَ المشتري، سواء حَبَسَه البائعُ بالثمن أم لا، ورجَعَ مالكٌ إلى قول سُلَيمان.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا؛ فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ.
          (ش) أي: قال عبدُ الله (ابْنُ عُمَرَ) ☻.
          كلمة (مَا) شرطيَّة؛ فلذلك دخلتِ الفاءُ في جوابها؛ وهو قوله: (فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ) وإسنادُ الإدراك إلى الصفقة مجازٌ؛ أي: ما كان عند العقد غيرَ مَيِّتٍ.
          قوله: (مَجْمُوعًا) صفةٌ لقوله: (حَيًّا) وأراد به: لم يتغيَّر عن حالتِه.
          قوله: (مِنَ الْمُبْتَاعِ) أي: مِنَ المشتري.
          وهذا تعليقٌ وصله الطَّحَاويُّ والدَّارَقُطْنيُّ من طريق الأوزاعيِّ عن الزُّهْريِّ عن حمزة بن عبد الله بن عُمَر، عن أبيه قال: ما أدركتِ الصفقة حيًّا فهو مِن مالِ المبتاع، وليس فيه لفظُ (مجموعًا)، وهذا رواه الطَّحَاويُّ جوابًا عمَّا قالوا: إنَّ ابن عمر رُويَ عنه حديثُ: «البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرَّقا»، وإنَّه كان يرى التفرُّق بالأبدان، والدليل عليه أنَّهُ كان إذا بايَعَ رجلًا شيئًا، فأراد ألَّا يُقيلُه؛ قام فمشى هُنَيهَةً، قالوا: فهذا يدلُّ على [أنَّهُ كان يرى التفرُّق بالأبدان، وأجاب عنه الطَّحَاويُّ فقال: وقد رُوِيَ عنه ما يدلُّ على] أنَّ رأيه كان في الفرقة بالأقوال، وأنَّ المَبيعَ ينتقل بتلك الأقوال مِن ملكِ البائع إلى ملك المشتري حَتَّى يهلك من مالِه إن هلك، وروَى حديثَ حمزة بن عبد الله هذا، واعتَرض عليه بعضُهم بقوله: وما قاله / ليس بلازم، وكيف يحتجُّ بأمرٍ محتملٍ في معارضة أمرٍ مُصرَّح به؟! فابنُ عمر قد تَقَدَّمَ عنه التصريحُ بأنَّه كان يرى الفرقة بالأبدان، والمنقولُ عنه هنا يحتملُ أن يكون قبل التفرُّق بالأبدان، ويحتمل أن يكون بعده، فحملُه على ما بعده أَولى؛ جمعًا بين حديثَيهِ انتهى.
          قُلْت: هذا ما هو بأَوَّلِ مَن تصرَّف بهذا الاعتراض، فإنَّ ابن حزمٍ سبقه بهذا، ولكنَّ الجواب عن هذا بما يقطع شَغَبَهما هو أنَّ قوله هذا يُعارِضُ فعله ذاك صريحًا، والاحتمالُ الذي ذكره هذا القائلُ هنا يحتمل أن يكونَ هناك أيضًا، فسقط العملُ بالاحتمالات، فبقيَ الفعلُ والقول، والأخذ بالقولِ أَولى؛ لأنَّه أَقوى.