عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قتل الخنزير
  
              

          ░102▒ (ص) باب قَتْلِ الْخِنْزِيرِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان قتل الخنزير: هل هو مشروع كما شُرِع تحريم / أكله؟ أي: مشروع، والجمهور على جواز قتله مطلقًا، إلَّا ما روي شاذًّا مِن بعض الشَّافِعِيَّة بترك الخنزير إذا لم يكن فيه ضراوة، وقال ابن التين: ومذهب الجمهور أنَّهُ إذا وجد الخنزير في دار الكفر وغيرها وتمكنَّا مِن قتله قتلناه.
          قُلْت: ينبغي أن يُستثنى خنزير أهل الذمَّة؛ لأنَّه مال عندهم، ونحن نهينا عن التعرُّض إلى أموالهم.
          فإن قُلْت: يأتي عن قريب أنَّ عيسى ◙ حين ينزل يقتل الخنزير مُطلقًا.
          قُلْت: يقتل الخنزير بعد قتل أهله، كما أنَّهُ يكسر الصليب؛ لأنَّه ينزل لأن يحمل الناس كلَّهم على الإسلام لتقرير شريعة نبيِّنا صلعم ، فإذا جاز قتل أهل الكفر حينئذٍ، سواء كانوا مِن أهل الذمة أو مِن أهل الحرب، فقتلُ خنزيرهم وكسر صليبهم بطريق الأولى والأحقِّ، ألَا تَرى أنَّهُ صلعم يضع الجزية؛ يعني: يرفعها؛ لأنَّ الناس كلَّهم يسلمون، فمن لم يدخل في الإسلام يقتله، فلا يبقى وجهٌ لأخذ الجزية؛ لأنَّ الجزية إِنَّما تؤخذ في هذه الأيام لتُصرَف في مصالح المسلمين، منها دفع أعدائهم، وفي زمن عيسى ◙ لا يبقى عدوٌّ للدين؛ لأنَّ الناس كلَّهم مسلمون، ويفيض المال بينهم فلا يحتاج أحدٌ إلى شيءٍ مِنَ الجزية لارتفاعها بذهاب أهلها.
          فإن قُلْت: ما وجه دخول هذا الباب في أبواب البيوع؟
          قُلْت: كان البُخَاريُّ فهم أنَّ كلَّ ما حَرُم ولم يجز بيعه يجوز قتله، فالخنزير حرَّم الشارع بيعه؛ كما في حديث جابر الآتي فجاز قتله، فمِن هذه الحيثيَّة أدخل هذا الباب في أبواب البيوع، وقال بعضهم: ووجه دخوله في أبواب البيع الإشارة إلى أنَّ ما أُمِر بقتله لا يجوز بيعه.
          قُلْت: فيه نظرٌ مِن وجهين؛ أحدهما: أنَّهُ يحتاج إلى بيان الموضع الذي أمر النَّبِيُّ صلعم بقتل الخنزير، وتحريمُ بيعه لا يستلزم جواز قتله، والآخر: أنَّ قوله: (ما أُمِرَ بقتله لا يجوز بيعه) ليس بكلِّيٍّ، فإنَّ الشارع أمر بقتل الحيَّات صريحًا، مع أنَّ جماعة مِنَ العلماء؛ منهم أبو الليث قالوا: يجوز بيع الحيَّات إذا كان يُنْتَفَع بها للأدوية.
          (ص) وَقَالَ جَابِرٌ ☺ : حَرَّمَ النَّبِيُّ صلعم بَيْعَ الْخِنْزِيرِ.
          (ش) مطابقته للترجمة مِن حيث إنَّ مشروعيَّة قتل الخنزير كان مبنيًا على كونه محرَّمًا أكله، فهذا القدر بهذه الحيثية يكفي لوجود المطابقة، وهذا التعليق طرف مِن حديث البُخَاريِّ بإسناده عن جابرٍ، بلفظ: سمعت النَّبِيَّ صلعم عام الفتح، وهو بِمَكَّةَ، يقول: «إنَّ الله تعالى ورسوله حرَّما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»، يأتي بعد تِسعةِ أبواب.