عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك
  
              

          ░58▒ (ص) بابٌ لَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَرُ فيه: (لَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) وهو أن يقولَ في زمن الخِيار: افسَخْ بيعَك وأنا أبيعُك مثلَه بأقلَّ منه، ويحرُمُ أيضًا الشِّراء على الشِّراء بأن يقول للبائع: افسَخْ وأنا أشتري بأكثرَ منه.
          قوله: (وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) وهو السَّوم على السَّوم؛ وهو أن يتَّفِقَ صاحبُ السِّلعة والراغبُ فيها على البيع ولم يعقِداه، فيقول آخِرُ لصاحبها: أنا أشتريها بأكثرَ، أو للراغب: أنا أبيعُك خيرًا منها بأرخصَ، وهذا حرامٌ بعد استقرار الثمن، بخلاف ما يُباع فيمَنْ يزيدُ؛ فَإِنَّهُ قبل الاستقرار.
          وَقوله: (لَا يَبِيعُ) نفيٌ، وكذلك: (لَا يَسُومُ) ويُروى: <لا يبِعْ> و<لا يَسُمْ> بصورة النَّهي.
          قوله: (حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ) أي: حَتَّى يأذَنَ أخوه للبائع بذلك، (أَوْ يَتْرُكَ) أخوه اتِّفاقَه مع البائع، وتقييدُه بالإذن أو الترك يرجِعُ إلى البيع والسَّوم جميعًا.
          فَإِنْ قُلْتَ: لم يقع ذكرٌ للسَّوم في حديثَي الباب؟ قُلْت: قد وقع في بعض طرق الحديث: «وأن يَستامَ الرجلُ على سَوْم أخيه»، أخرجه في (الشروط) من حديث أبي هُرَيْرَة، فكأنَّه أشار بذلك إليه، وهذا له وجهٌ؛ لأنَّه في كتابه أخرجه فيه.
          فَإِنْ قُلْتَ: لم يذكر أيضًا شيئًا لقوله: (حَتَّى يأذن له أو يترك).
          قُلْت: ذُكِرَ هذا القيدُ في بعض طرقِ هذا الحديث؛ وهو ما رواه مسلمٌ من طريق عُبيد الله بن عُمَر عن نافعٍ في هذا الحديث بلفظ: «لا يبِعِ الرجلُ على بيع أخيه، ولا يخطُب على خِطبة أخيه إلَّا أن يأذَنَ له»، فكأنَّه أشار إليه واكتفى به، كذا قيل، ولكنَّ هذا بعيدٌ [مِن وجهين؛ أحدهما: أنَّهُ غيرُ مذكور في كتابه، والإشارةُ إلى ما ذُكِرَ في كتابِ غيرِه بعيدٌ]، والآخَر: أنَّ الاستثناء في الحديث المذكور يختصُّ بقوله: «ولا يَخطُب على خِطبة أخيه» وإن كان يحتملُ أن يكون استثناءً مِنَ الحكمين.