الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب حجة الوداع

          ░77▒ (بَابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ): سقطَ لفظُ: الـ<باب> وحدَهُ لأبي ذرٍّ، و((حجَّة)) بفتحِ الحاء المهملةِ وكسرها، وهو الأفصَحُ عكسُ القعدةِ، و((الوداع)): بفتحِ الواو وكسرها، من التَّودِيعِ، وهو أن يشيعَ غيره / عندَ سفرِهِ، ومنه ثنيَّةُ الوداعِ بالمدينةِ سمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ من سافرَ إلى مكَّةَ كان يودَّعُ ويشيَّعُ إليها، قاله في ((القاموس)).
          وسُمِّيت هذه الحجَّةُ حجَّة الوداعِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم ودَّعَ الناسَ فيها، وتسمَّى أيضاً بحجَّةِ الإسلامِ؛ لأنَّه لم يحجَّ من المدينةِ بعدَ فرضِ الحجِّ غيرها، وحجَّة البلاغِ؛ لأنَّهُ بلَّغَ الناسَ فيها في الحجِّ أحكامَ الشَّرعِ قولاً وفعلاً، وحجَّة التَّمامِ والكمَالِ؛ لأنَّ غالبَ الأحكامِ كَمُلتْ فيها، وأشهرُ هذه الأسماءِ حجَّةُ الوَداعِ.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): ذكرَ جابرٌ في حديثِهِ الطَّويلِ كما أخرجَهُ مسلمٌ وغيرُهُ: أنَّ النبيَّ صلعم مكثَ تسعَ سنين منذَ قَدِمَ المدينةَ، لم يحجَّ، ثم أذَّنَ في الناسِ في السَّنةِ العاشرةِ أنه ◙ حاجٌّ في هذا العامِ، فقدِمَ إلى المدينة بشرٌ كثيرٌ كلهم يلتمسُ أن يأتمَّ ويقتدِي برسُولِ الله صلعم.
          وعندَ التِّرمذيِّ من حديثِ جابرٍ: حجَّ قبلَ أن يهاجِرَ ثلاث حججٍ، وأخرجَ الحاكمُ بسندٍ صحيحٍ إلى الثَّوريِّ، أنَّ النبيَّ صلعم حجَّ قبلَ أن يهاجِرَ حِجَجاً.
          وقال ابنُ الجوزيِّ: حجَّ حِجَجاً لا يُعرَفُ عددُها، وقال ابنُ الأثيرِ في ((النهاية)): كان يحجُّ كلَّ سنةٍ قبلَ أن يهاجِرَ.