الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب غزوة الطائف

          ░56▒ (بَابُ غَزْوَةُ الطَّائِفِ): سقطَ لفظ: <باب> وحدهُ لأبي ذَرٍّ، و((الطائف)) بالطاء المهملةِ أولِهِ والفاء آخرهُ، من طافَ بالشَّيءِ دار حولَهُ.
          قال في ((المصباح)): طَافَ بالشَّيءِ يطُوفُ طَوْفاً وطَوَافاً، استدارَ به، ثمَّ قال: والطَّائِفُ بلادُ الغورِ، وهي على ظهرِ جبلِ غزوانَ، وهو أبرَدُ مكانٍ بالحجازِ، والطَّائفُ بلادُ ثقيفٍ.
          وقال في ((القاموس)): الطَّائِفُ: العسَسُ، وبلادُ ثقيفٍ في وادٍ أوَّل قُراها لُقَيْم، وآخرُها: الوهطُ، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها طافَتْ على الماءِ في الطوفانِ، أو لأنَّ جبرِيلَ طافَ بها على البَيتِ، أو لأنَّها كانَتْ بالشَّامِ فنقلَهَا اللهُ تعالى إلى الحجازِ بدَعوةِ إبراهيمَ الخليلِ ◙، أو لأنَّ رجلاً من الصدَفِ أصاب دماً بحضرموت ففرَّ إلى وجٍّ، وحالَفَ مسعود بن معتب، وكانَ له مالٌ عظيمٌ، فقال: هل لكم أن أبنِي طوفاً عليكم يكونُ لكم رِدْءاً من العَربِ؟ فقالوا: نعم، فبَناهُ وهو الحائِطُ المطِيفُ به، انتهى.
          ومسعودٌ هذا: هو الثَّقفيُّ كان تاجِراً فقال: وهي كما قال الشُّرَّاحُ: بلدةٌ كبيرَةٌ مشهورَةٌ كثيرَةُ المياه والأعنابِ والنَّخيلِ، على ثلاثِ مراحِلَ أو مرحلتَينِ من مكَّةَ من جهةِ المَشرقِ، قيل: أصلُ تسميَتِها بالطَّائفِ أنَّ جبريلَ ◙ اقتلَعَ الجنَّة التي كانَتْ لأصحابِ / الصَّريمِ المذكورَةِ في قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:19-20]، وكانَتْ تلك الجنَّة بصُوران على فرسَخٍ من صنعاءَ، وكانَتْ قصَّتُها بعد عيسى ◙ بيَسيرٍ، وسار بها جبرِيلُ إلى مكَّة، فطافَ بها حول البيتِ ثمَّ أنزلها حيث الطَّائفُ، واسم الأرضِ: وَجٌّ بفتحِ الواو وتشديدِ الجيم، سُمِّيتْ باسم رجلٍ أول من نزلَ بها، وهو رجُلٌ من العمالقةِ، يقالُ له: ابنُ عبد الجنِّ، والرَّجُل الذي من الصَّدفِ وأصاب دماً بحضرموت يقال له: الدَّمون بن عُبيدِ بن مالكٍ، قَتَلَ ابنَ عمٍّ له يقال له: عمرٌو بحضرَمَوت، ففرَّ إليها وقال: لأهلها أُحالِفُكم لتزوِّجُوني وأزوجكم وأبني عليكم طَوفاً مثل الحائطِ لا يصِلُ إليكم أحدٌ، وفيها دُفِنَ حبرُ هذه الأمَّة عبدُ الله بن عبَّاسٍ ☻ وعلى ضريحِهِ عمارةٌ وقبَّةٌ مشرقةٌ بالأنوار يقصدها للتَّبرُّكِ بمن حلَّ فيها الزُّوَّارُ.
          وقوله: (فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ): أي: من الهجرةِ، خبرُ: ((غزوة)) أو حالٌ منها، أو خبرٌ لمحذوفٍ (قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ): أي: في مغازيهِ، قال في ((الفتح)): هو قولُ جمهورِ أهلِ المغازِي، قال: وقيل: بل وصلَ إليها في أوَّل ذِي القعدةِ.
          وأقولُ: لا منافاةَ بين القولينِ، فتأمَّل.