الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب وفد عبد القيس

          ░69▒ (بَابُ): كذا ثبتَ لفظ: <باب> قبل التَّرجمةِ للأكثر، وسقطَ لأبي ذرٍّ (وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ): بفتحِ القاف وسكونِ التحتيَّة فسين مهملة.
          قال في ((الفتح)) و((العمدة)): هي قبيلةٌ كبيرةٌ يسكنون البَحرين، يُنسَبون إلى عبد القيسِ بن أَفْصَى بفتحِ الهمزة وسكون الفاء فصاد مهملة فألف، بوزن: أعمى، ابن دُعْمِيِّ بضمِّ الدَّال وسكون العين المهملتين وكسرِ الميم فتحتية ثقيلة، ابن جَدِيْلَة بالجيمِ والدَّال المهملةِ بوزن: كبيرة، ابن أَسَد بفتحتين، ابن رَبيعة بفتحِ الرَّاء ابن نِزار بكسرِ النون، وكانَتْ قريتُهُم بالبحرينِ، وهي أوَّل قريةٍ أُقيمت فيها الجمعةُ بعد المدينةِ تُسمَّى: جُوَاثاً بضمِّ الجيم وتخفيف الواو فألف فمثلثة.
          وقال في ((الفتح)): والذي تبيَّن لنا أنَّه كان لعبدِ القيس وِفادَتان:
          إحداهما: قبل الفتحِ، ولهذا قالوا للنَّبيِّ ◙ بيننا وبينك كفَّارُ مضر، وكانَتْ سنةَ خمسٍ أو قبلها، وكانوا ثلاثةَ عشرَ رجلاً، وفيها: سألوا النَّبيَّ ◙ عن الإسلامِ، وعن الأشربةِ، وكان فيهم الأشجُّ بن عبد القيسِ، واسمهُ المنذرُ، وقال له النَّبيُّ صلعم: ((إنَّ فيكَ خصلَتَين يحبُّهُما اللهُ: الحلمُ والأنَاةُ)).
          روى أبو داودَ من / حديثِ زارع، وكانَ في وفدِ عبدِ القيس، قال: فجعلنا نتبادَرُ من رواحلنا فنقبِّلُ يدَ النَّبيِّ صلعم، وانتظرَ الأشجُّ حتى لبس ثوبَيْهِ، فأتى النَّبيَّ صلعم، فقال له: ((إنَّ فيكَ لخَصلَتين...)) الحديث.
          وأخرجهُ البيهقيُّ من حديثِ هُود بن عبد الله العصريِّ، أنَّه سمعَ جدَّهُ مزيدةَ العصري، قال: بينما النَّبيُّ صلعم يُحدِّثُ أصحابَهُ إذ قال لهم: ((سيطلُعُ عليكم من هاهنا رَكبٌ هم خيرُ أهلِ المشرِقِ)) فقام عُمرُ فتوجَّه نحوهم فلقِيَ ثلاثة عشرَ راكباً، فبشَّرَهُم بقولِ النَّبيِّ صلعم، ثم مشَى معهم حتى أتَوا النَّبيَّ صلعم، فرموا بأنفسِهِم عن ركائبهم، فأخذوا يدَهُ فقبَّلُوها وتأخَّرَ الأشجُّ في الرِّكاب حتى أناخَها، وجمع متاعَهُم ثمَّ جاءَ يمشِي، فقال النَّبيُّ: ((إنَّ فيكَ خَصلتين...)) الحديث.
          ثانيهما: كانَتْ سنة الوفودِ، وكان عدَّتهم حينئذٍ أربعين رجلاً كما في حدِيثِ أبي حيرةَ الصَّنابحي الذي أخرجَهُ ابن منده، وكان فيهم الجارودُ العبديُّ، وقد ذكرَ ابنُ إسحاقَ قصَّتَهُ، وأنَّه كانَ نصرانيًّا، فأسلم وحسُنَ إسلامُهُ.
          قال: ويؤيِّدُ التَّعدُّد ما أخرجَهُ ابن حبَّان من وجهٍ آخرَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لهم: ((ما لي أرَى ألوانَكُم تغيَّرَتْ))، فإنَّ فيه إشعاراً بأنَّهُ كان رآهم قبل التَّغيُّر.