الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب غزوة مؤتة من أرض الشام

          ░44▒ (بَابُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ) سقطَ لفظ: <باب> وحدَهُ لأبي ذَرٍّ وابنِ عساكرَ، فـ((غزوة)) مرفوعٌ و((مؤتة)) بضمِّ الميم وسكون الواو بلا همزٍ لأكثرِ الرواة، وبه جزمَ المبرِّدِ وبعضُهم بهمزها، وبه جَزَمَ ثعلب والجوهريُّ وابنُ فارسٍ، وحكى صاحب ((الواعي)): الوجهين، وزادَ في ((الفتح)): فقال: وأمَّا الموتةُ التي وردَتْ الاستعاذة منها وفُسِّرَتْ بالجنونِ فهي بغير همزٍ.
          وقال في ((القاموس)): مُؤتةُ: بالضمِّ، موضِعٌ بمشارِقِ الشَّامِ، قُتِلَ فيها جعفرُ بن أبي طالبٍ، وفيه كان تعملُ السُّيوفُ، انتهى.
          قال ابنُ إسحاقَ: هي بالقُربِ من البلقاءِ، وقال غيرُهُ: على مرحلتينِ من بيتِ المَقْدس، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان كما قاله ابنُ إسحاقَ وموسى بن عقبة وغيرُهُما من أربابِ المغازي، لا يختلفونَ في ذلك إلا ما ذكرَهُ خليفةُ في ((تاريخه)): من أنَّها كانت سنةَ سبعٍ، كذا في ((الفتح)) وغيرِهِ، لما ذكره أبو الأسود عن عروةَ أن بعثَ الجيشِ إلى مؤتةَ كانَ في جمادى الأولى.
          وأقول: يمكنُ الجمعُ بأنَّ إرادةَ التَّوجُّه إليها كانت آخرَ سنة سبع، ووقعَتْ سنة ثمان، فتأمَّل.
          وسببها كما قيل: أنَّ شرحبيل بن عَمرٍو الغسَّاني من أمراء قيصرَ على الشَّام قَتَلَ رسولاً أرسله النَّبيُّ صلعم إلى صاحبِ بُصرى اسمه: الحارثُ بن عُمير، ولم يُقتَلْ لرسولِ الله رسولٌ سواهُ، فجهَّزَ إليهم ثلاثة آلاف، وأمَرهم أن يدعوهم إلى الإسلامِ، فإن أَبَو فقاتلوهم، ولما بلغَ العدوُّ مسيرَهُم جمعوا لهم أكثر من مائة ألفٍ، فقاتلهم المسلمون حتى قُتِلَ زيد بن حارثة، وجعفرُ بن أبي طالبٍ، وعبدُ الله بن رواحةَ، فأخذَ الرَّايةَ خالدُ بن الوليد، فقال رسولُ الله: ((الآن حميَ الوطِيسُ))؛ لأنَّه ◙ رُفعَتْ له الأرضُ حتى رآهم، وقَتَلَ خالدٌ من المشركين كثيرين، وغنِمَ المسلمون بعض أمتعتهم، قالَهُ ابن إسحاقَ.