الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة

          ░28▒ (بَاب غَزْوَةِ الرَّجِيعِ): سقطَ لفظ: <باب> لأبي ذرٍّ وابنِ عسَاكرَ، و((الرجيع)): بفتح الراءِ وكسرِ الجيمِ، فتحتيةٌ ساكنةٌ فعينٌ مهملةٌ، اسمُ موضعٍ من بلاد هذيلٍ، كانت الوقعةُ بالقربِ منه، فلذا سُمِّيتْ به، وكانت في صفر من سنة أربعٍ من الهجرة، وجزمَ ابنُ التين بأنها كانت آخرَ سنةِ ثلاثٍ، وأنَّ غزوةَ بئرِ معونةَ سنة أربعٍ، وغزوةَ بني لحيان كانت سنة خمسٍ، قال في ((الفتح)): الرَّجيعُ في الأصلِ اسمٌ للرَّوث؛ سُمِّيَ بذلك لاستحالتهِ.
          (وَرِعْلٍ): بالجرِّ عطفٌ على الرَّجيعِ؛ أي: وغزوةُ رِعْلٍ، وهي بكسرِ الراءِ، وسكونِ العين المهملةِ، وباللام، بطنٌ من بني سليمٍ، ينسبون إلى رِعْلِ بنِ عوفٍ بنِ مالك بنِ امرئ القيس بنِ بهتةَ بنِ سُلَيْمٍ، بالتصغير.
          (وَذَكْوَانَ): بفتح الذالِ المعجمة، وسكونِ الكاف، ممنوعٌ من الصرفِ، بطنٌ من بني سُليمٍ أيضاً، ينسبُون إلى ذكوانَ بنِ ثعلبةَ بنِ بهتةَ بنِ سُليمٍ، فنُسبَتْ الغزوةُ إليهما.
          (وَبِئْرِ مَعُونَةَ): بفتح الميمِ وضمِّ العين المهملةِ، وهو موضعٌ بينَ مكةَ وعسفان، بجرِّ: بئرٌ وسمَّاها غزوة، وتُعرفُ بسريةِ القراءِ، وكانوا سبعين رجلاً، قال في ((الفتح)): وكانت معَ بني رِعْلٍ وذَكوانَ المذكورين كمَا سيظهر في حديثِ أنسٍ المذكورِ في البابِ.
          (وَحَدِيثِ عَضَلٍ): بفتح العينِ المهملةِ كالضاد المعجمةِ، فلامٌ، بطنٌ من بني الهون بنِ خزيمة بنِ مدركةَ بنِ إلياس بنِ مضرٍ، ينسبون إلى عَضَلِ بنِ الديش، قال الكرمانيُّ: فإنْ قلتَ: أين في الباب حديثُ عَضَلٍ؟ قلتُ: هم أصلُ قضيةِ الرجيع، وذلك أنَّ رهطاً من العَضَل والقَارَةِ قدموا على رسولِ الله صلعم فقالوا: ابعثْ معنا نفراً يعلِّمُوننا شرائعَ الإسلام، فبعَثَ معهم بعضاً من الصَّحابةِ، عاصماً وغيرَه، حتى إذا كانُوا على الرَّجيعِ ماءٍ لهذيل غدَروا بهم، واستصرَخُوا عليهم فقتلوهُم.
          (وَالْقَارَةِ): بالقاف، عطفٌ على عَضلٍ، قال ابنُ دريدٍ: القارةُ: أكمةٌ سوداءُ فيها حجارةٌ، كأنهم نزلوا عندها فسمُّوا بها، ويُضرَبُ بهم المثلُ في إصابةِ الرَّمي، قال الشاعرُ:
قَد أنصَفَ القَارةَ مَنْ رامَاهَا
          (وَعَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ): بجرِّه عطفاً على عَضَلٍ كلاحقِهِ، فيكون مسلِّطاً عليهما حديث.
          وقوله: ((ثَابِتٍ)) بمثلثةٍ أولُه، ومثناةٍ فوقيةٍ آخرُه، هو: ابنُ أبي الأقْلح _بسكون القاف، وبحاءٍ مهملةٍ بعد اللام المفتوحة_؛ أي: الأنصاريُّ، وهي غزوةُ الرجيعِ، وإنْ أَوهمَ كلامُ المصنِّفِ أنها أخرَى كما سيظهرُ.
          (وَخُبَيْبٍ): بضمِّ الخاء المعجمةِ، وموحدتين مصغَّراً؛ أي: ابنِ عَديٍّ الأنصَاري (وَأَصْحَابِهِ): أي: خُبَيْبٍ، وكانوا عشرةَ أنفسٍ (قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ): هو محمَّدُ صاحبُ المغازِي (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ): أي: ابنِ قتادةَ الظَّفري الأنصَاري، قال الكرمانيُّ: كان علَّامَةً بالمغازي (أَنَّهَا): أي: غزوةَ الرجيعِ المترجمِ لها أوَّلاً (بَعْدَ غَزْوةِ أُحُدٍ): قال الزَّركشيُّ في ((التنقيح)) نقلاً عن الدِّمياطيِّ: الوجهُ تقديمُ عَضَلٍ وما بعدَه على الرجيعِ، وتأخير رِعْلٍ وذَكوانَ معَ بئر معونةَ / ، وتعقبَه الدَّمامينيُّ في ((المصابيح)) بأنَّه ليسَ في البُخاري ما يقتضِي الترتيبَ بينَ الغزواتِ حتى يكونَ ذكرُه لها على هذا النَّمطِ ليس بوجهٍ. انتهى.
          وأقول: كأنه أرادَ أنه لمَّا أَوهمَ صنيعُه ذلك كانَ الوجهُ تقديمُ عَضَلٍ...إلخ دفعاً لهذا الوهم، فتأمَّل.
          وقال الكرمانيُّ: هذا المذكورُ كلُّه غزوتان: إحداهما: غزوةُ الرجيع قاتل فيها هذيلُ عاصماً وخبيباً وأصحَابَهما، وثانيهما: غزوةُ بئرِ معونةَ قاتل فيها رِعْلَ وذَكوان القومَ المشهورين بالقُرَّاء.
          وقال في ((الفتح)): سياقُ هذه الترجمةِ يوهِمُ أنَّ غزوةَ الرجيعِ وبئر معونَةَ شيءٌ واحدٌ وليس كذلك، فغزوةُ الرجيعِ كانت سريةَ عاصمٍ وخبيبٍ في عشرة أنفسٍ، وهي مع عَضَلٍ والقارَة، وبئرُ معونة كانت سريةَ القُرَّاءِ السبعين، وهي مع رِعْلٍ وذَكوانَ، قال: وكأنَّ المصنفَ أدرجها معها لقربها منها، قال: ويدلُّ على قربها منها ما في حديثِ أنسٍ من تشريك النبيِّ بين بني لحيانَ وبينَ بني عصيَّة وغيرِهم في الدُّعاء عليهم، قال: وذكر الواقديُّ أنَّ خبرَ بئر مَعُونة وخبرَ أصحَابِ الرَّجيعِ جاء إلى النبيِّ في ليلةٍ واحدةٍ.
          قال: ورجَّحَ السُّهيلي أنَّ روايةَ البُخاري بأنَّ عاصماً كانَ أميرَهم، قال: وجمعَ غيرُه بأنَّ أميرَ السَّرية مرثدٌ، وبأنَّ أميرَ العشرة عاصمٌ بناءً على التَّعددِ.