الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما}

          ░18▒ (باب): بالتنوين، وتركِهِ؛ أي: في بيانِ قولِهِ تعالى في سورةِ آلِ عمرانَ: قال العينيُّ: مرَّ غير مرةٍ أنَّ لفظَ بابِ إذا ذُكرَ مجرَّداً يكون كالفصلِ لما قبله، وهاهنا غيرُ مجرَّدٍ؛ لأنه أُضيفَ إلى قوله: ({إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا}): الآية، {هَمَّتْ}: عزمَتْ، وإذْ معمُولٌ لمحذوفٍ نحو اذكرْ، أو بدلٌ من إذْ غدوْتَ، قال الزمخشريُّ: أو عملَ فيه معنى سميع عليم، والطَّائفتان: حيانٌ من الأنصَار، بنو سلمةَ من الخزرجِ، وبنو حارثةَ من الأوسِ، و{تَفْشَلَا}: بفتحِ الشينِ المعجمةِ؛ أي: تجبُّناً وتضعُّفاً.
          قال في ((الفتح)): الفشَلُ _بالفاء والمعجمة_: الجبنُ، وقيل: الفشَلُ في الرأي: العجزُ، وفي اليدين: الإعياءُ، وفي الحربِ: الجبنِ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلعم خرجَ إلى أُحُدٍ بألفٍ كما مرَّ، فرجعَ عبدُ الله بنُ أُبيٍّ بثلاثِمائةٍ، فهم الحيَّان المذكوران باتباعِهِ والرُّجوعِ معه، فحفظَهم اللهُ من ذلك، بل مضَوا مع رسولِ الله، وعن ابن عبَّاسٍ: أضمرُوا أنْ يرجعوا، فعزمَ اللهُ لهم على الرُّشدِ فثبتُوا، فذكَّرَهم اللهُ بنعمتهِ عليهم، والظَّاهرُ أنَّ الذي كان منهم لم يكُنْ إلَّا همةٌ وحديثُ نفسٍ، ولو كانت عزيمةً وثباتاً لم تثبُتْ معها الولايةُ بقوله: ({وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}): أو المعنى: والله ناصرهُما ومتولِّي أمرِهمَا، فما لهمَا يفشلان ولا يتوكَّلان على اللهِ؟ وقولُه: ({وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}): سقطَ لأبي ذرٍّ وابنِ عسَاكرَ، وقالا: <الآية>، أمرَهم بالتوكلِ عليه دونَ غيرِه.