الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حج أبي بكر بالناس في سنة تسع

          ░66▒ (حَجُّ أَبِي بَكْرٍ): أي: الصِّدِّيق (☺ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ): بتقديم الفوقيَّة على السِّين المهملةِ، وسقطَ من أكثر نُسَخِ هذا الصَّحيحِ ذكرُ لفظ: <باب> قبل هذه التَّرجمةِ، فـ((حجُّ)) مرفوعٌ خبرٌ لمحذوفٍ، أو مبتدأٌ خبرُهُ: ((في سنة تسع))، وجوَّزَ العينيُّ أن يكون ((حج)) فعلاً ماضياً، و((أبو بكر)) فاعله، ويؤيِّدهُ ما في نسخةٍ من كتابتِهِ بالواو، وما جزمَ به المصنِّفُ من أن: حجَّ أبي بكر كان سنة تسعٍ، هو الحقُّ، ونقلَ المحبُّ الطَّبريُّ عن ((صحيح ابن حبَّان))، أنَّ فيه عن أبي هريرةَ: لما قفلَ النَّبيُّ ◙ من حُنين اعتمرَ من الجعرانَةِ، وأمَّرَ أبا بكرٍ في تلك الحجَّةِ، وكانَتْ الجعرانةُ سنة ثمان، وردَّهُ بأن حجَّ أبي بكرٍ إنَّما كان سنةَ تسعٍ، وأنَّ سنة الجعرانةِ إنما حجَّ فيها عتَّاب بن أسيدٍ.
          قال في ((الفتح)): وكأنَّهُ تبعَ الماورديَّ، فإنه قالَ: إنَّ النَّبيَّ صلعم أمَرَ عتَّاباً أن يحجَّ بالناس عام الفتحِ، قال: والذي جزمَ به الأزرقيُّ في ((أخبار مكة)) خلافه، فقال: لم يبلغْنا أنَّهُ استعملَ في تلك السَّنةِ على الحجِّ أحداً، وإنما ولَّى عتاباً أمرَ مكَّة، فحجَّ المسلمونَ والمشركون جميعاً، وكان المسلمون مع عتَّابٍ لكونِهِ الأميرَ.
          قال: والحقُّ أنَّه لم يختلِفْ في ذلك، وإنَّما وقعَ الاختلاف في أيِّ شهرٍ حجَّ أبو بكرٍ، فذكر ابنُ سعدٍ وغيره عن مجاهدٍ أنَّ حجَّةَ أبي بكر وقعَتْ في ذي القعدةِ، ووافقه عكرمةُ بن خالدٍ، ومن عدَا هذين إمَّا مصرِّحٌ بأن حجَّة أبي بكر كانَتْ في ذي الحجَّة كالدَّاوديِّ وبه جزمَ من المفسرين جماعةٌ كالثعلبيِّ والماورديِّ والرُّمَّاني، وإمَّا ساكِتٌ.
          قال: والمعتمدُ ما قاله الجمهُورُ، وبه جزمَ الأزرقيُّ، ويؤيِّدهُ أنَّ ابنَ إسحاق صرَّحَ بأن النَّبيَّ أقام بعد رجوعه من تبوكَ رمضانَ وشوالاً وذا القعدة، ثمَّ بعثَ أبا بكرٍ أميراً على الحجِّ، فهذا ظاهرٌ في أن بعثِ أبي بكرٍ كان بعدَ انسلاخِ ذي القعدةِ، فيكون حجُّهُ في ذي الحجَّةِ على هذا.
          ثم قال: وذهبَ جماعةٌ إلى أنَّ حجَّ أبي بكرٍ هذا لم يُسقِطْ عنه الفرضَ؛ لأنَّه كان قبلَ فرض الحجِّ، قال: ولا يخفى ضعفُهُ، انتهى ملخَّصاً.
          وذلك لأنَّ الصَّحيحَ أنَّ فرض الحجِّ كان سنة ستٍّ، ففي ((التحفة)) / لابن حجرٍ المكِّيِّ: وفي وقتِ وجوبِهِ خلافٌ قبل الهجرةِ أوَّل سنيِّها ثانيها، وهكذا إلى العاشرةِ، والأصحُّ أنَّه في السَّادسةِ.