الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب غزوة ذات القرد

          ░37▒ (بَابُ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ): وفي بعضِ الأصولِ: <ذي القرد> بـ((الـ))، وسقطَ لفظُ: <باب> فقط من بعض النُّسخٍ، وقال القسطلَّانيُّ: ولأبي ذَرٍّ <قرد> مع سقوطِ الـ<باب> له، و((قَرَد)) بفتحِ القاف والرَّاء فدال مهملة.
          قال في ((الفتح)): وحُكِيَ الضمُّ فيهما، وحُكِيَ ضمُّ أوَّله وفتح ثانيهِ، قال الخازميُّ: الأوَّل ضبطُ أصحاب الحديثِ، والضمُّ عن أهل اللُّغةِ، وقال البلادريُّ: الصَّوابُ الأول، وهو ماءٌ على نحو بريدٍ مما يلي بلادَ غطفانَ، وقيل: على مسافةِ يومٍ، انتهى.
          وقال العينيُّ: ويقالُ على مسيرةِ ليلتينِ من المدينةِ بينهما وبين خيبرَ على طريق الشَّامِ، قال: والقَرَدُ في اللغةِ الصُّوفُ الرَّدِيءُ خاصَّةً، قال الزَّركشيُّ: وتُسمَّى: غزوة الغابةِ، ثمَّ قال: وكان أبو ذَرٍّ وابنه في اللِّقاح، فأغارتْ عليهم غطفانُ في أربعين فارساً عليهم عُيينة بن حصنٍ، انتهى.
          (وَهِيَ الغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا): بهمز أولِهِ؛ أي: عُيينة بن حصنٍ ومن معه، وكان رأسُ الذين أغاروا: عبدُ الرحمن بن عيينة فيها (عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلعم): و((لقاح)): بكسرِ اللام وتخفيف القاف فألفٌ فحاء مهملة بعدَ الألف، جمع: لِقحة _بكسرِ اللام، وتُفتح أيضاً_، وهي النَّاقةُ ذات اللَّبنِ.
          وقال ابنُ السِّكِّيت: واحدَتُها لَقُوح _بفتحِ اللام_، وكانت عشرين بالغابةِ، وفيها ابن أبي ذَرٍّ وامرأته، فأغارَ عليهم المشركون فقتلُوا الرَّجُل وأسروا المرأةَ، وقوله: (قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ): أي: بثلاثِ ليالٍ، متعلِّقٌ: بـ((أغاروا)).
          قال في ((الفتح)): كذا جزمَ به، ومستندُهُ في ذلك حديثُ سلمةَ بن الأكوعِ الذي أخرجَهُ مسلمٌ عنه قال: فرجعْنَا _أي: من الغزوةِ_ إلى المدينةِ، فوالله ما لبثنا بالمدينةِ إلَّا ثلاث ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبرَ، وقال ابنُ سعدٍ: كانت في ربيعَ الأوَّل / سنة ستٍّ قبل الحديبيةِ، وقيل: في جُمادى الأولى، وعن ابن إسحاقَ في شعبانَ منها.
          وقال القرطبيُّ في ((شرح مسلم)): لا يختلفُ أهلُ السِّيَرِ أنَّ غزوة ذي قَرَدَ كانت قبل الحديبيةِ، فيكونُ ما وقع في حديثِ سلمةَ مِن وَهْمِ بعض الرُّواةِ، قال: ويحتملُ أن يجمعَ بأن النَّبيَّ ╕، كان أغزَى سريَّةً فيهم سلمةُ إلى خيبرَ قبل فتحِها فأخبرَ سلمة عن نفسِهِ، وعمَّن خرج معه بقوله: ((خرَجنَا إلى خيبرَ)).
          ويؤيِّدُهُ أنَّ ابنَ إسحاقَ ذكر أنَّ النَّبيَّ صلعم أغزى إليها عبدَ الله بن رواحَةَ قبل فتحها مرَّتين، ثمَّ قال: ما في الصَّحيحِ من ((التاريخ)) لغزوةِ ذي قَرَد أصحُّ مما ذكرَهُ أهل السِّيَرِ، قال: ويحتملُ في طريقِ الجمع أن تكون إغارةُ عُيينة بن حصنٍ على اللِّقاح وقعَتْ مرَّتين: الأولى التي ذكرَها ابن إسحاقَ وهي قبلَ الحديبية، والثانية بعدها قبل الخروجِ إلى خيبرَ.
          ويؤيِّدُهُ أنَّ الحاكمَ ذكرَ في ((الإكليل)): أن الخروجَ إلى ذِي قَرَدَ تكرَّرَ، ففي الأوَّلِ خرجَ إليها زيدُ بن حارثة قبل أُحُد، وفي الثَّانية خرجَ إليها النَّبيُّ ◙ في ربيع الآخر سنةَ خمس، والثالثةُ هي المختَلَفُ فيها، وإذا ثبتَ هذا قويَ الجمعُ الذي ذكرتُهُ، انتهى فتأمَّلهُ.
          وأقولُ: اعتراضُ العينيِّ على ((التوضيح)): أنَّ قولَ البخاريِّ قبل خيبرَ بثلاث مما غَلِطَ فيه، فإنَّها قبلَها بسنةٍ، فإن غزوةَ خيبرَ في جمادى الآخرة سنةَ سبعٍ، انتهى.
          وقد علمْتَ الجوابَ مما في ((الفتح))، فتأمَّلهُ.