الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قتل كعب بن الأشرف

          ░15▒ (باب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ): بالفاء، سقطَ لفظُ: <باب> وحدَه لأبي ذرٍّ، وكعبُ المذكور / طاغُوتُ اليهودِ القرظيِّ الشَّاعر، كان يهجو النبيَّ صلعم والمسلمين، ويظاهرُ عليهم الكفَّارَ، كذا في ((العمدة)) لكنْ قال في ((الفتح)): ولما أصابَ المشركين يومَ بدرٍ ما أصَابهم اشتدَّ عليه، وكان يبكِي على قتلى بدرٍ وينشدُ الأشعارَ، فمِن ذلك ما حكاهُ الواقديُّ:
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ                     وَلمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النَّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ                     لَا تَبْعَدُوا إن الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
كَمْ قَدْ أُصِيْبَ بهِ مِنْ أَبْيضَ مَاجِدٍ                     ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إِلَيهِ الضُّيَّعُ
طَلْقُ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ                     حَمَّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرُّ بِسَخَطِهِمْ                     إنَّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلَّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتِّلُوا                     ظَلَّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدَّعُ
صَارَ الَّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ                     أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ
          الأبيات، فأجابه حسانُ بنُ ثابتٍ ☺ فقال:
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمَّ عُلَّ بِعَبْرَةٍ                     مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ                     قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ
فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا                     شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَلَقَدْ شفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا                     وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا
وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ                     شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ
          وقال ابنُ إسحاقَ وغيرُه: كان كعبٌ عربياً مِن بني نبهَان، وهم بطنٌ مِنْ طَيْء، وكان أبوه أصَابَ دماً في الجاهليَّة، فأتى المدينةَ فحالفَ بني النَّضيرِ، فشرفَ فيهم وتزوَّجَ عقيلةَ بنتَ أبي الحقيقِ، فولدَتْ له كعباً، وكان طويلاً جَسِيماً ذا بطنٍ وهامَةٍ، وهجَى المسلمين بعدَ وقعةِ بدرٍ، وخرجَ إلى مكةَ فنزل على أبي وداعةَ السهميِّ والدِ المطَّلب، فهجَاه حسَّانُ وهجَى امرأتَه عاتكةَ بنتَ أُسيدٍ بنِ أبي العيصِ بنِ أميةَ فطردَتْه، فرجعَ كعبٌ إلى المدينة وتشبَّبَ بنساءِ المسلمين حتى أذاهُم.
          وروى أبو داود والترمذيُّ مِن طريق الزهريِّ عن عبدِ الله بنِ كعبٍ: أنَّ كعبَ بنَ الأشرف كان شاعراً، وكان يهجو رسولَ الله صلعم، ويحرِّضُ عليه كفَّارَ قريشٍ، وكان النبيُّ صلعم قدمَ المدينةَ وأهلُها أخلاطٌ، فأرادَ رسولُ الله صلعم استصلاحَهُم، وكان اليهودُ والمشركون يؤذونَ المسلمين أشدَّ الأذى، فأمرَ اللهُ تعالى رسُولَه صلعم والمسلمين بالصبرِ، فلمَّا أبى كعبٌ أنْ ينزعَ عن أذاهُ أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سعدَ بنَ معاذٍ أنْ يبعثَ رهطاً ليقتلوهُ، وذكر ابنُ سعدٍ أنَّ قتلَه كانَ في ربيعٍ الأولِ من السنةِ الثالثة.