نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يهود تعذب في قبورها

          1375- (حَدَّثَنَا) بالجمع، وفي رواية: <حدَّثني> بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) بن عبيد المعروف بالزَّمن العنبري، قال: (حَدَّثَنَا) وفي نسخة: <أخبرنا> (يَحْيَى) هو: ابن سعيد القطان قال: (حَدَّثَنَا) وفي رواية: <أخبرنا>. (شُعْبَةُ) أي: ابن الحجَّاج (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة، وقد مرَّ في باب «الصَّلاة في الثَّوب الأحمر» [خ¦376] (عَنْ أَبِيهِ) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السَّوائي الصَّحابي ☺.
          (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الأنصاري ( ♥ قَالَ: خَرَجَ النبيُّ صلعم ) من المدينة إلى خارجها (وقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ) أي: سقطت والمراد: غروبها (فَسَمِعَ صَوْتاً) يحتمل أن يكون صوت ملائكة العذاب، أو صوت اليهود المعذَّبين، أو صوت وَقْعِ العذاب.
          وقد وقع عند الطَّبراني من طريق عبد الجبَّار بن العبَّاس عن عون بهذا السَّند مفسراً ولفظه: ((خرجت مع النَّبي صلعم حين غربت الشَّمس ومعي كوز من ماء، فانطلق لحاجته حتَّى جاء فوضَّأته فقال: أتسمعُ ما أسمع؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: أسمع أصوات اليهود يعذَّبون في قبورهم)).
          قال الكرماني: قد مرَّ [خ¦1374] أنَّ صوت الميِّت من العذاب يسمعه غير الثَّقلين فكيف سمع ذلك؟
          وأجاب: بأنَّه في الصيحة المخصوصة وهذا غيرها، / أو سماع رسول الله صلعم كان على سبيل المعجزة.
          (فَقَالَ: يَهُودُ) بعدم التنوين مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه يهود، أو هو مبتدأ خبره محذوف أو خبره قوله: (تُعَذَّبُ في قُبُورِها) وعلى الاحتمالين الأوَّلين تكون هذه الجملة صفة ليهود.
          قال الجوهري: الأصل اليهوديون فحذفت ياء الإضافة يعني النسبة مثل زنج وزنجي، ثمَّ عرف على هذا الحد، فجمع على قياس شعير وشعيرة، ثمَّ عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام عليه؛ لأنَّه معرفة مؤنث، فجرى مجرى القبيلة وهو غير منصرف للعلميَّة والتَّأنيث.
          قال العيني: وقال بعضهم يعني الحافظ العسقلاني: يهود خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه يهود، قلت: كأنَّه ظنَّ أنَّه نكرة فقال: هو خبر مبتدأ محذوف، وقد قلنا إنَّه علم انتهى.
          وأنت خبير بأنَّه عذر في ذلك كيف قال ذلك في حقِّ الحافظ؟ وقد زاد في إعرابه بعد قوله ذلك: أو هو مبتدأ خبره محذوفٌ. وقد نقل عن الجوهري بعد ذلك: أنَّه غير منصرف للعلميَّة والتأنيث، وليس ذلك أول قارورة كسرت في الإسلام، هذا وإذا ثبت أنَّ اليهود تعذَّب بيهوديتهم ثبت تعذيب غيرهم من المشركين؛ لأنَّ كفرهم بالشِّرك أشدُّ من كفر اليهود.
          (وَقَالَ النَّضْرُ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، هو: ابن شُميل، وقد مرَّ في باب «حمل العنزة في الاستنجاء» [خ¦152] (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج، قال: (حَدَّثَنَا عَوْنٌ) قال: (سَمِعْتُ أَبِي) قال: (سَمِعْتُ الْبَرَاءَ) بن عازب ☺.
          (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الأنصاري ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) ساق البخاري هذا الطَّريق تنبيهاً على أنَّه متَّصل بالسَّماع والأوَّل بالعنعنة، وقد وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عن النَّضر ولم يسق المتن، وساقه إسحاق بن راهويه في «مسنده» عن النَّضر بلفظ فقال: ((هذه يهود تعذَّب في قبورها)).
          قال ابن رُشَيد: لم يجرِ للتعوُّذ من عذاب القبر في هذا الحديث ذكر، فلهذا قال بعض الشَّارحين: إنَّه من بقيَّة الباب الذي قبله، وإنَّما أدخله في هذا الباب بعض من نسخ الكتاب ولم يميِّز.
          قال: ويحتمل أن يكون المصنِّف أراد أن يعلم بأنَّ حديث أم خالد ثاني أحاديث هذا الباب [خ¦1376] محمول على أنَّه صلعم تعوَّذ من عذاب القبر حين سمع أصوات يهود لما علم من حاله أنَّه كان يتعوَّذ، ويأمر بالتعوُّذ مع عدم سماع العذاب / فكيف مع سماعه.
          وقال الكرماني: العادة قاضية بأنَّ كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوَّذ من مثله.
          ورجال إسناد الحديث شيخه بصري، ويحيى كوفي، وشعبة واسطي، وعون كوفي، وفيه ثلاثةٌ صحابيون. وقد أخرج متنه مسلم أيضاً في «صفة أهل النَّار»، والنَّسائي في «الجنائز».