نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما قيل في أولاد المسلمين

          ░91▒ (بابٌ ما قِيلَ في أَوْلادِ المُسْلِمِينَ) / غير البالغين (قَالَ) وفي رواية: <وقال> (أَبُو هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النبيِّ صلعم : مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ، لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ) أي: سنَّ التَّكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الإثم.
          (كَانَ) بالإفراد، واسمها ضمير يعود إلى الموت المفهوم ممَّا سبق؛ أي: كان موتهم (لَهُ حِجاباً مِنَ النَّارِ) ويروى: <كانوا> أي: الأولاد له حجاباً من النَّار (أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ) وهذا تعليق من البخاري.
          قال الحافظ العسقلاني: لم أره موصولاً من حديثه على هذا الوجه الذي ذكره تعليقاً. نعم عند أحمد من طريق عوف، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة ☺ بلفظ: ((ما من مسلمَين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلَّا أدخلهما الله وإيَّاهم بفضل رحمته الجنَّة)).
          ولمسلم من طريق سُهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((لا يموت لإحداكنَّ ثلاثة من الولد فتحتسب إلَّا دخلت الجنَّة...)) الحديث.
          وله من طريق أبي زُرعة عن أبي هريرة ☺: ((أنَّ النَّبي صلعم قال لامرأةٍ دفنتِ ثلاثة؟ قالتْ: نعم قال: لقد احتظرتْ بحظارٍ شديدٍ من النَّار)).
          وفي «صحيح أبي عَوانة» من طريق عاصم، عن أنس ☺: مات ابنٌ للزُّبير فجزع عليه، فقال له النَّبي صلعم : ((من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النَّار)).
          قال الزَّين ابن المُنيِّر: تقدَّم في «أوائل الجنائز» [خ¦1251] ترجمة «من مات له ولد فاحتسب»، وفيها الحديث الذي رواه سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة ☺، عن النَّبي صلعم قال: ((لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النَّار إلَّا تحلَّة القسم)).
          وإنَّما ترجم بهذه هنا لمعرفة مآل الأولاد، ووجه انتزاع ذلك من الأحاديث المذكورة هنا من حيث إنَّ من يكون سبباً في حجب النَّار عن الأبوين ودخولهما الجنَّة فأولى أن يحجبوا عنها، ويدخلوا الجنَّة، وذلك معلوم من فحوى الخطَّاب.
          وقال النَّووي: أجمع من يعتدُّ به من علماء المسلمين على أنَّ من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنَّة. وتوقَّف فيه بعضهم لحديث عائشة ♦ يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: توفِّي صبي من الأنصار فقلت: طوبى له عصفورٌ من عصافير الجنَّة لم يعملْ سوءاً ولم يدركه، فقال النَّبي صلعم : ((أو غير ذلك يا عائشة، إنَّ الله تعالى خلق للجنَّة أهلاً خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنَّار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)). والجواب عنه من وجهين:
          أحدهما: أنَّه لعله نهاها عن / المسارعة إلى القطع من غير دليل.
          الثَّاني: أنَّه صلعم قال ذلك قبل أن يطَّلع على أنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة.
          وقال القرطبي: نفى بعضهم الخلاف، وكأنَّه عنى ابن أبي زيد فإنَّه أطلق بالإجماع في ذلك، ولعلَّه أراد إجماع من يعتد بهم. وقال المازري: الخلاف في غير أولاد الأنبياء، انتهى.
          وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في «زيادات المسند» عن عليٍّ ☺ مرفوعاً: ((إنَّ المسلمين وأولادهم في الجنَّة، وإنَّ المشركين وأولادهم في النَّار، ثمَّ قرأ {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} الآية [الطور:21])). وهذا أصحُّ ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عبَّاس ☻ .