نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الصفوف على الجنازة

          ░54▒ (بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ) قال الزَّين ابن المُنيِّر ما ملخصه: إنَّه أعاد التَّرجمة؛ لأنَّ الأولى لم يجزم فيها بالزِّيادة على الصَّفين.
          وقال ابن بطَّال: أومأ المؤلِّف إلى الردِّ على عطاء حيث ذهب إلى أنَّه لا يشرع فيها تسوية الصُّفوف يعني: كما رواه عبد الرَّزَّاق عن ابن جريج، قلت لعطاء: أحقٌّ على النَّاس أن يسووا صفوفهم على الجنازة كما يسوونها في الصَّلاة؟ قال: لا إنَّما يكبِّرون ويستغفرون.
          وأشار المؤلِّف بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف من حديث مالك بن هبيرة، وقد ذكر آنفاً [خ¦1317]. وروى التِّرمذي من حديث عائشة ♦ عن النَّبي صلعم قال: ((لا يموت أحد من المسلمين فيصلِّي عليه أمَّة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة شُفِّعوا له إلَّا شفِّعوا فيه))، ورواه أيضاً مسلم والنَّسائي.
          وروى ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة ☺ عن النَّبي صلعم قال: ((من صلَّى عليه مائة من المسلمين غفر له)).
          وروى النَّسائي من حديث أبي المليح: حدَّثني عبد الله عن إحدى أمَّهات المؤمنين وهي / ميمونة زوج النَّبي صلعم قالت: أخبرني النَّبي صلعم قال: ((ما من ميِّت يصلِّي عليه أمَّة من النَّاس إلَّا شفِّعوا فيه)) فسألت أبا المليح عن الأمَّة قال: أربعون.
          وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه من رواية شريك بن عبد الله عن كُرَيب قال: مات ابن لابن عبَّاس ☻ بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من النَّاس فخرجت، فإذا النَّاس قد اجتمعوا له فأخبرته فقال: هم أربعون، قلت: نعم قال: أخرجوه فإنِّي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((ما من رجل مسلم يموتُ فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلَّا شفعهم الله فيه)).
          فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الأحاديث؟
          فالجواب ما قال القاضي عياض: إنَّ هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا ذلك، فأجاب كلُّ واحدٍ عن سؤاله.
          وقال النَّووي: يحتمل أن يكون النَّبي صلعم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به، ثمَّ بقبول شفاعة أربعين، ثمَّ ثلاثة صفوف وإن قل عددهم، فأخبر به، ويحتمل أن يقال: هذا مفهوم عدد، ولا يحتجُّ به جماهير الأصوليين، فلا يلزم من الأخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك، وكذلك في الأربعين.
          هذا وقال الطَّبري: ينبغي لأهل الميِّت إذا لم يخشوا عليه التَّغير أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لحديث الثَّلاثة، والله أعلم.