نجاح القاري لصحيح البخاري

باب سنة الصلاة على الجنائز

          ░56▒ (باب سُنَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ) وفي رواية: <على الجنازة> بالإفراد، والمراد بالسنَّة هنا ما شرعه النَّبي صلعم في صلاة الجنازة من الشَّرائط والأركان فهي أعمُّ من الواجب والمندوب، ومن الشَّرائط أنَّها لا تجوز بغير طهارةٍ، ولا تجوز عرياناً، ولا تجوز بغير استقبال القبلة، ومن الأركان، التَّكبيرات، ومن المندوبات: الأذكار المسنونة.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) في حديث وصله في باب «من انتظر حتَّى تدفن»: (مَنْ صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ) وهذا لفظ مسلم أخرجه عن أبي هريرة ☺، عنه صلعم : ((من صلَّى على جنازة ولم يتبعْها فله قيراطٌ، وإن تبعها فله قيراطان)). وأمَّا لفظ البخاري فكذا [خ¦1325]: ((من شهد الجنازة حتَّى يصلِّي فله قيراط، ومن شهد حتَّى تُدفن كان له قيراطان)).
          وغرض المؤلِّف ☼ من إيراده الاستدلال على جواز إطلاق «الصَّلاة» على صلاة الجنازة، فإنَّه صلعم قال: ((من صلَّى على الجنازة)) فأطلق لفظ: «صلَّى»، ولم يقل: من دُعِي للجنازة، يدلُّ على كون غرضه ذلك قوله الآتي سمَّاها: صلاة... إلى آخره.
          ولذا لم يذكر جواب الشَّرط في الحديث، واقتصر على الشَّرط، وسيأتي تحقيق لذلك إن شاء الله تعالى.
          (وَقَالَ) صلعم (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) وهذا حديث أخرجه المؤلِّف بتمامه موصولاً في أوائل «الحوالة» [خ¦2289] عن سلمة بن الأكوع ☺ قال: كنَّا جلوساً عند النَّبي صلعم إذ أُتِيَ بجنازة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: ((هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير قال: صلُّوا على صاحبكم)) الحديث.
          (وَقَالَ) صلعم (صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ) وقد سبق موصولاً في باب «الصُّفوف على الجنازة» [خ¦1320] ولكن لفظه هناك: ((فصلُّوا عليه)).
          (سَمَّاهَا) أي: سمَّى النَّبي صلعم الهيئة الخاصَّة التي يدعى فيها للميِّت، ولكن ليست هذه التَّسمية بطريق الحقيقة، ولا بطريق الاشتراك، ولكن بطريق المجاز، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
          (صَلاَةً) والحال أنَّه (لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلاَ سُجُودٌ) وإنَّما لم يكن فيها ركوع ولا سجود؛ لئلا يتوهَّم بعض الجهلة أنَّها عبادة للميِّت فيضلُّ بذلك، (وَلاَ يُتَكَلَّمُ فِيهَا) أي: في صلاة الجنازة كالصَّلاة المعهودة، وهذا أيضاً من جملة وجوه جواز إطلاق / اسم الصَّلاة على صلاة الجنازة، بناءً على أنَّ عدم التَّكلم من خصائص الصَّلاة وقد أثبته لها.
          (وَفِيهَا تَكْبِيرٌ) تكبيرة للإحرام مع النيَّة كما في غيرها، ثمَّ ثلاث تكبيرات (وَ) فيها أيضاً (تَسْلِيمٌ) للتحلُّل عن اليمين والشِّمال بعد التَّكبيرات كما في غيرها، وهو مذهب أبي حنيفة ☼ ، واستدلَّ له بحديث عبد الله بن أبي أوفى أنَّه سلَّم عن يمينه وشماله، فلمَّا انصرف قال: لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلعم يصنع، أو هكذا يصنع. رواه البيهقي. وقال الحاكم: حديث صحيح.
          وفي «المصنَّف» بسندٍ جيدٍ عن جابر بن زيد والشَّعبي وإبراهيم النَّخعي: أنَّهم كانوا يسلِّمون تسليمتين، وقال قوم: يسلِّم تسليمة واحدة.
          وروي ذلك عن عليٍّ وابن عبَّاس وابن عمر وجابر وأبي هريرة وأبي أُمامة بن سهل وأنس ♥ وجماعة من التَّابعين، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق.
          ثمَّ إنَّه هل يُسِرُّ بها أو يجهر، فعن جماعة من الصَّحابة والتَّابعين إخفاؤها، وعن مالك يُسمِع بها من يليه، وعن أبي يوسف: لا يجهر كلَّ الجهر، ولا يُسِرُّ كلَّ الإسرار. ثمَّ إنَّه لا يرفع يديه إلَّا عند تكبيرة الإحرام؛ لما روى التِّرمذي عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((إذا صلَّى على جنازة يرفع يديه في أوَّل تكبيرة)). وزاد الدَّارقطني: ((ثمَّ لا يعود)). وعن ابن عبَّاس ☻ عنده مثله بسند فيه الحجَّاج بن نصير.
          وفي «المبسوط»: أنَّ ابن عمر وعليًّا ♥ قالا: لا ترفع اليد فيها إلا عند تكبيرة الإحرام. وحكاه ابن حزم عن ابن مسعود وابن عمر ♥ ثمَّ قال: لم يأت بالرَّفع فيما عدا الأولى نصٌّ ولا إجماع.
          وحكى في «المصنَّف» عن النَّخعي والحسن بن صالح: أنَّ الرَّفع في الأولى فقط، وحكى ابن المنذر الإجماع على الرَّفع في أوَّل تكبيرة.
          وعند الشَّافعية ترفع في الجميع، وقال صاحب «التَّوضيح»: وروي مثل قولنا عن ابن عمر وسالم وعطاء ومكحول والزُّهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
          (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (لاَ يُصَلِّي) على الجنازة (إِلاَّ طَاهِراً) من الحدث الأكبر والأصغر. وقد وصله مالك في «الموطَّأ» عن نافع بلفظ: أنَّ ابن عمر ☻ كان يقول: لا يصلِّي الرَّجل على الجنازة إلَّا وهو طاهر. وعند مسلم حديث: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) من النَّجس المتَّصل به، غير المعفو عنه، وإطلاق الطَّهارة يتناول الوضوء والتَّيمم.
          وقال أبو حنيفة ☼ : يجوز التَّيمم للجنازة مع وجود الماء إن خاف فوتها بالوضوء، وكان الولي غيره. وحكاه ابن المنذر أيضاً عن الزُّهري وعطاء / وسالم والنَّخعي وعكرمة وسعد بن إبراهيم ويحيى الأنصاري وربيعة واللَّيث والأوزاعي والثَّوري وإسحاق وابن وهب، وهي رواية عن أحمد.
          وروى ابن عدي عن ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((إذا فجأتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم)). ورواه ابن أبي شيبة عنه موقوفاً، وحكاه أيضاً عن الحكم والحسن. وقال مالك والشَّافعي وأبو ثور: لا يتيمَّم، وقال ابنُ حبيب: الأمر فيه واسع.
          ونقل ابن التِّين عن ابن وهب: أنَّه يتيمَّم إذا خرج طاهراً فأحدث، وإن خرج معها على غير وضوء لم يتيمم، ولعلَّ مراد المؤلِّف ☼ بهذا السِّياق الرَّد على الشَّعبي حيث أجاز الصَّلاة على الجنازة بغير طهارة؛ لأنَّها دعاء ليس فيها ركوع ولا سجود، والفقهاء من السَّلف والخلف مجمعون على خلاف ذلك.
          (وَ) كان ابن عمر ☻ أيضاً (لاَ يُصَلِّي) على الجنازة (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ) عند (غُرُوبِهَا) كما روى ابن أبي شيبة في «مصنَّفه»: حدَّثنا حاتم بن إسماعيل، عن أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه: أنَّ جنازة وضعت، فقام ابن عمر ☻ قائماً فقال: أين وليُّ هذه الجنازة ليصلِّ عليها قبل أن يطلع قرن الشَّمس؟
          وحدَّثنا وكيع عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: كان ابن عمر ☻ يكره الصَّلاة على الجنازة إذا طلعت الشَّمس وحين تغرب. وحدَّثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي بكر _يعني: ابن حفص_ قال: كان ابن عمر ☻ إذا كانت الجنازة صلَّى العصر، ثمَّ قال: عجِّلوا بها قبل أن تطفل الشَّمس.
          وروى مالك عن محمَّد بن أبي حرملة: أنَّ ابن عمر ☻ قال (1) وقد أتى بجنازة بعد صلاة الصُّبح بغلس: إمَّا أن تصلُّوا عليها، وإمَّا أن تتركوها حتَّى ترتفع الشَّمس. فكأنَّ ابن عمر ☻ كان يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشَّمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصَّلاة وطلوع الشَّمس أو غروبها.
          وروى التِّرمذي من حديث عقبة بن عامر ☺: ((ثلاث ساعات كان رسول الله صلعم ينهانا أن نصلِّي فيها، ونقبر فيها موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتَّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظَّهيرة حتَّى تميل، وحين تَضيَّف الشَّمس للغروب حتَّى تغرب))، وأخرجه مسلم وبقيَّة أصحاب السُّنن أيضاً.
          ثمَّ قال التِّرمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النَّبي صلعم ، / وغيرهم يكرهون الصَّلاة على الجنازة في هذه الأوقات.
          وقال ابن المبارك: معنى قوله: «أن نقبر فيها موتانا» الصَّلاة على الجنازة. وإليه ذهب مالك والأوزاعي والكوفيُّون وأحمد وإسحاق.
          وقال الشَّافعي: لا بأس أن يصلَّى على الجنازة في السَّاعات التي يكره الصَّلاة فيها.
          (وَ) كان ابن عمر ☻ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ) في صلاة الجنازة. قال الحافظ العسقلاني: وصله البخاري في كتاب «رفع اليدين» المفرد من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ☻ أنَّه كان يرفع يديه في كلِّ تكبيرة على الجنازة.
          وقال العيني: قوله: «ويرفع يديه»، مطلق يتناول الرَّفع في أوَّل تكبيرات، ويتناول الرَّفع في جميعها، وعدم تقييد البخاري ذلك يدلُّ على أنَّ الذي رواه في كتاب «رفع اليدين» غير مرضيٍّ عنده إذ لو كان رضي به لكان ذكره في «الصَّحيح» أو قيَّد قوله: و«يرفع يديه» بلفظ في التَّكبيرات كلها.
          على أنَّ ابن حزم حكى عن ابن عمر ☻ : أنَّه لم يرفع إلَّا في الأولى، وقال: لم يأتِ فيما عدا الأولى نصٌّ ولا إجماع. وقد روى التِّرمذي عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((إذا صلَّى أحدكم على جنازة يرفع يديه في أوَّل تكبيرة)). وزاد الدَّارقطني: ((ثمَّ لا يعود)) كما مضى، وهذا هو مذهب الحنفيَّة والمالكيَّة. وعن مالك أنَّه يعجبه ذلك في كلِّ تكبيرة.
          وروي عن القاسم: أنَّه لا يرفع في شيء منها، وفي سماع أشهب: إن شاء رفع بعد الأولى، وإن شاء ترك. ومذهب الشَّافعية والحنبليَّة أنَّه يرفع يديه حذو منكبيه استحباباً في كلِّ تكبيرة من تكبيرات الجنازة الأربعة؛ لما روى الطَّبراني في «الأوسط» من حديث نافع، عن ابن عمر ☻ : أنَّه كان يرفع يديه في الكلِّ، لكن إسناده ضعيفٌ لا يحتجُّ به على ما قالوا. وقد عرفت حال ما أخرجه البخاري في كتاب «رفع اليدين»، والله أعلم.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ) أي: البصري. قال الحافظ العسقلاني: لم أره موصولاً (أَدْرَكْتُ النَّاسَ) من الصَّحابة والتَّابعين الكبار (وَأَحَقَّهُم) أي: والحال أنَّ أحقهم (عَلَى جَنَائِزِهِمْ) ويروى: <وأحقهم بالصَّلاة على جنائزهم> (مَنْ رَضُوهُمْ) بضمير الجمع، ويروى: <من رضوه> بضمير الإفراد. (لِفَرَائِضِهِمْ)
          وقوله: «وأحقهم»، مبتدأ خبره الموصول مع صلته، والمراد أنَّهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصَّلوات المفروضة، ولهذا ما كان أحقَّهم بالصَّلاة على الجنائز إلَّا من كان يصلِّي لهم بالفرائض.
          وعند عبد الرَّزَّاق عن الحسن: / إنَّ أحقَّ النَّاس بالصَّلاة على الجنازة الأب، ثمَّ الابن. وفي هذا الباب خلاف بين العلماء.
          قال ابن بطَّال: قال أكثرُ أهل العلم: الوالي أحقُّ من الولي. روي ذلك عن جماعة منهم علقمة والأسود والحسن، وهو قول أبي حنيفة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
          وقال أبو يوسف والشَّافعي: الولي أحقُّ من الوالي. قال الشَّافعي: والأب وإن علا أولى من الابن وإن سفل، وخالف في ذلك ترتيب الإرث؛ لأنَّ معظم الغرض: الدُّعاء للميِّت فيقدم الأشفق؛ لأنَّ دعاءه أقرب إلى الإجابة، ثمَّ العصبات النِّسبية على ترتيب الإرث، ثمَّ العصبات السَّببية المعتق وعصباته ثمَّ السُّلطان ثمَّ ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب.
          وقال مطرِّف وابن عبد الحكم وأصبغ: ليس ذلك إلَّا إلى الوالي الأكبر الذي إليه الطاعة وخليفته. وحكى ابن أبي شيبة عن النَّخعي وأبي بردة وابن أبي ليلى وطلحة وزبيد وسويد بن غفلة تقديم إمام الحي. وعن أبي الشَّعثاء وسالم والقاسم وطاووس ومجاهد وعطاء: أنَّهم كانوا يقدمون الإمام على الجنازة.
          وروى الثَّوري عن أبي حازم قال: شهدتُ الحسين بن علي ☻ قدم سعيد بن العاص يوم مات الحسن بن علي ☻ وقال له: تقدَّم فلولا السنَّة ما قدَّمتك، وسعيد يومئذٍ أمير المدينة.
          وقال ابنُ المنذر: ليس في هذا الباب أعلى من هذا؛ لأنَّ شهادة الحسن ☺ شهدها عوام النَّاس من الصَّحابة والمهاجرين والأنصار.
          (وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجَنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ) ويتوضأ (وَلاَ يَتَيَمَّمُ) الظَّاهر أنَّ هذا من بقيَّة كلام الحسن؛ لأنَّ ابن أبي شيبة روى عن أشعث عن الحسن أنَّه سئل عن الرَّجل يكون في الجنازة على غير وضوء قال: لا يتيمَّم ولا يصلِّي إلَّا على طهر.
          فإن قيل: روى سعيد بن منصور عن حمَّاد بن زيد عن كثير بن شنظير قال: سئل الحسن عن الرَّجل يكون في الجنازة على غير وضوء، فإن ذهب يتوضَّأ تفوته قال: يتيمَّم ويصلِّي، وعن هشيم عن يونس عن الحسن مثله.
          فالجواب: أنَّه يحمل هذا على أنَّه روى عنه روايتان، ويدلُّ ذكر البخاري ذلك على أنَّه لم يقف عن الحسن إلَّا على ما روى عنه من عدم جواز الصَّلاة على الجنازة إلَّا بالوضوء، ويحتمل أن يكون قوله: ((وإذا أحدث...إلى آخره)) عطفاً على التَّرجمة.
          ثمَّ التَّيمم لصلاة الجنازة فقد مرَّ الكلام فيه مستوفى عن قريب، وأمَّا التَّيمم لصلاة العيد فعلى التَّفصيل عندنا، وهو أنَّه إن كان قبل الشُّروع في صلاة العيد لا يجوز للإمام لأنَّه يُنَتظر له. /
          وأمَّا المقتدي فإن كان الماء قريباً بحيث لو توضَّأ لا يخاف الفوت لا يجوز، وإلا فيجوز، ولو أحدث أحدهما بعد الشُّروع بالتَّيمم يتيمم ويبني، وإن كان الشُّروع بالوضوء وخاف ذهاب الوقت لو توضَّأ فكذلك، وإلَّا فكذلك عند أبي حنيفة خلافاً لهما.
          وفي «المحيط»: إن كان الشروع بالوضوء وخاف زوال الشَّمس لو توضأ يتيمَّم بالإجماع، وإلَّا فإن كان يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ لا يتيمَّم بالإجماع، وإلَّا يتيمم ويبني عند أبي حنيفة وقالا: يتوضأ ولا يتيمم.
          فمن المشايخ من قال: هذا اختلاف عصر وزمان، ففي زمن أبي حنيفة كانت الجبانة بعيدة من الكوفة، وفي زمنهما كانوا يصلُّون في جبانة قريبة. وعند الشَّافعي: لا يجوز التَّيمم لصلاة العيد لا أداء ولا بناء.
          وقال النَّووي: قاس الشَّافعي صلاة الجنازة والعيد على الجمعة وقال: تفوت الجمعة بخروج الوقت بالإجماع، والجنازة لا تفوت بل يصلِّي على القبر إلى ثلاثة أيَّام بالإجماع قال: ويجوز بعدها عندنا. انتهى. وفي بيانه نظر كما لا يخفى.
          (وَإِذَا انْتَهَى) الرَّجل (إِلَى الْجَنَازَةِ وَهُمْ) أي: والحال أنَّ الجماعة (يُصَلُّونَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ بِتَكْبِيرَةٍ) ثمَّ يأتي بعد سلام الإمام بما فاته من التَّكبيرات ويسلِّم.
          وهذا أيضاً من بقيَّة كلام الحسن؛ لأنَّه وصله ابن أبي شيبة: حدَّثنا معاذ بن أشعث، عن الحسن في الرَّجل ينتهي إلى الجنازة وهم يصلُّون عليها قال: يدخل معهم بتكبيرة. قال: وحدَّثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمَّد قال: يكبِّر ما أدرك ويقضي ما سبقه. وقال الحسن: يكبِّر ما أدرك ولا يقضي ما سبقه(2) .
          وعند أبي حنيفة ومحمَّد: لو كبَّر الإمام تكبيرة أو تكبيرتين لا يكبِّر الآتي حتَّى يكبِّر الإمام تكبيرة أخرى، ثمَّ إذا كبَّر الإمام يكبِّر معه، فإذا فرغ الإمام كبَّر هذا الآتي ما فاته قبل أن ترفع الجنازة.
          وقال أبو يوسف: يكبِّر حين يحضر، وبه قال الشَّافعي وأحمد في رواية. وعن أحمد: أنَّه مخيَّر، وقولهما هو قول الثَّوري والحارث بن يزيد، وبه قال مالك وإسحاق وأحمد في رواية، والله أعلم.
          (وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ) سعيد (يُكَبِّرُ) الرَّجل في صلاة الجنازة سواء كانت (بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ، أَرْبَعاً) أي: أربع تكبيرات. قال الحافظ العسقلاني: لم أره موصولاً عنه، ووجدت معناه بإسنادٍ قويٍّ عن عقبة بن عامر الصَّحابي ☺. أخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفاً.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) هو: ابن مالك ☺ (التَكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلاَةِ) / أي: كما في الصَّلاة المكتوبة. وصله سعيد بن منصور: عن إسماعيل بن عليَّة، عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قال زريق بن كريم لأنس بن مالك ☺: أوليس التَّكبير ثلاثاً؟ قال: يا أبا حمزة التَّكبير أربع قال: أجل غير أن واحدة هي افتتاح الصَّلاة.
          (وَقَالَ) الله (╡: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ}) أي: من المنافقين ({مَاتَ أَبَداً} [التوبة:84]) وقوله: <{مَاتَ أَبَداً}> سقط في رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، والغرض من إيراد هذه الآية الكريمة بيان جواز إطلاق الصَّلاة على صلاة الجنازة حيث نهى عن فعلها على أحدٍ من المنافقين، كما هو المقصود من عقد هذا الباب على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
          (وَفِيهِ) أي: في صلاة الجنازة والتَّذكير باعتبار المذكور، أو باعتبار فعل الصَّلاة (صُفُوفٌ وَإِمَامٌ) وهذا يدلُّ على جواز الإطلاق المذكور أيضاً، ثمَّ إنَّه عطف على قوله: وفيها تكبير وتسليم.


[1] من قوله: ((إذا كانت الجنازة... إلى قوله: ☻ قال)): ليس في (خ).
[2] قوله: ((وقال الحسن: يكبر ما أدرك ولا يقضي ما سبقه)): ليس في (خ).