نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

          ░61▒ (بابُ: مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ) وسيأتي بعد ثمَّانية أبواب باب «بناء المسجد على القبر» [خ¦1341]. وقال ابن رُشَيد: الاتخاذ أعمُّ من البناء فلذلك أفرده بالتَّرجمة.
          وقال العينيُّ: إنَّ التَّرجمتين في الحكم سواء إلَّا أنَّه صرَّح بالكراهة في ترجمة هذا الباب، واكتفى هناك بدلالة حديث الباب.
          وقال الحافظ العسقلاني: ولفظها؛ أي: لفظ ترجمة هذا الباب يقتضي أنَّ بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنَّه يفصِّل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أو لا، هذا وفيه أنَّه إنَّما يقتضي ذلك لو كان كلمة «من» تبعيضيَّة، وأمَّا إذا كانت بيانية فلا.
          (وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ) أي: ابن أبي طالب ☺، وهو ممَّن وافق اسمه اسم أبيه وله ولد / يسمى الحسن أيضاً فهم ثلاثة في نسق، وهو أحد أعيان بني هاشم فضلاً وخيراً، مات سنة سبع وتسعين، وكان من ثقات التَّابعين.
          (ضَرَبَتِ امْرَأَتُهُ) فاطمة بنت الحسين بن علي ☻ وهي ابنة عمِّه (الْقُبَّةَ) بضم القاف. قال ابن الأثير: القبَّة من الخيام بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب، وضَرْبُ القبة نصبها وإقامتها على أوتاد مضروبة في الأرض.
          وجاء في رواية المغيرة بن مِقْسم: لمَّا مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطاً وأقامت عليه سنة، قال الجوهري: الفسطاط بيت من شعر.
          وفي «المُغرِب»: هو خيمة عظيمة. وفي «الباهر»: هو مضرب السُّلطان الكبير، وهو السرادق أيضاً. وقال الزَّمخشري: هو ضرب من الأبنية في السَّفر دون الخيمة. وقال ابن قٌرْقول: هو الخباء ونحوه.
          (سَنَةً) أي: كانت لا تخلو من الصَّلاة هناك في هذه المدَّة، فصارت كالمسجد فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد تكون القبلة في جهة القبر فيزداد الكراهة.
          (ثُمَّ رُفِعَتْ) على البناء للفاعل والمفعول. قال ابن المُنيِّر: إنَّما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بقرب الميِّت، وتعليلاً وتخييلاً باستصحاب المألوف من الأُنس، ومكابرة للحسِّ كما يتعلَّل بالوقوف على الأطلال البالية، ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا.
          (فَسَمِعُوا) أي: المرأة ومن معها، وفي رواية: <فسمعت> (صَائِحاً) من الملائكة أو من مؤمني الجن (يَقُولُ: أَلاَ هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا) ويروى: <ما طلبوا> (فَأَجَابَهُ) صائح (آَخَر بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا) وإذا أنكر الصَّائح بناءً زائلاً وهو الخيمة، فالبناء الثَّابت أجدر، لكن لا يؤخذ من كلام الصَّائح حكم؛ لأنَّ مسالك الأحكام الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس، ولا وحي بعده صلعم ، وإنَّما هذا ومثاله تنبيه على انتزاع الأدلة من مواضعها واستنباطها من مظانها. وهذا معنى قول الحافظ العسقلاني، وإنَّما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعيَّة، لا لأنَّه دليل برأسه.