نجاح القاري لصحيح البخاري

باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

          ░8▒ (بابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ) بكسر السين المهملة وإسكان الدال المهملة وفي آخره راء، شجر النَّبق تُدقُّ أوراقه، ويستعمل في الحمامات. هذه التَّرجمة مشتملةٌ على أمور:
          الأوَّل: غسل الميت، واختلف فيه، فقال أصحابنا: هو واجبٌ على الأحياء بالسُّنة، وإجماع الأمَّة، أمَّا السُّنة فقوله صلعم : ((للمسلم على المسلم ستُّ حقوقٍ _وذكر منها_ إذا مات أن يغسله)).
          وقد أجمعت الأمَّة على هذا، وفي «شرح الوجيز»: الغسل والتَّكفين والصَّلاة فرض كفاية بالإجماع، وكذا نقل النَّووي الإجماعَ على أنَّ غسل الميت فرض كفاية.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وهو ذهولٌ شديدٌ، فإنَّ الخلاف مشهورٌ جدًّا عند المالكيَّة حتَّى إنَّ القرطبيُّ رجَّح في «شرح مسلم» أنَّه سنَّة، ولكن الجمهور على وجوبه. وقد ردَّ ابن العربيِّ على من لم يقل بذلك؛ أي: بالوجوب، وقال: توارد به القول والعمل وغُسِّلَ الطَّاهر المطهَّر فكيف من سواه.
          وقال العينيُّ: إنَّ قوله _أي: قول القرطبيِّ_: سنَّة، معناه: سنَّة مؤكدة، وهي في قوَّة الوجوب فلا ذهول، هذا وأصل وجوب غسل الميت ما رواه عبد الله بن أحمد في ((المسند)) أنَّ آدم ◙ غسلته الملائكة وكفَّنوه وحنَّطوه وحفروا له وألحدوا وصلُّوا عليه، ثمَّ دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عليه اللَّبِنَ، ثمَّ خرجوا من قبره، ثمَّ حثوا عليه التُّراب، ثمَّ قالوا: يا بني آدم هذا سبيلكم، ورواه البيهقيُّ بمعناه.
          وأمَّا سبب وجوب غسل الميت فقيل هو الحدث، فإنَّ الموت سببٌ لاسترخاء المفاصل، وقال الشَّيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من مشايخ العراق: إنَّما وجب لنجاسة الميت إذ الآدمي له دمٌ مسفوحٌ كسائر الحيوانات ولهذا يتنجَّس البئر بموته فيها.
          وفي «البدائع»: عن محمَّد بن شجاعٍ: إنَّ الآدميَّ لا ينجس بالموت كرامةً له؛ لأنَّه لو تنجَّس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات / التي حكم بنجاستها بالموت، وسيأتي قول ابن عبَّاس ☻ : «إنَّ المؤمن لا ينجس حيًّا وميتاً».
          وقال بعض الحنابلة: ينجس بالموت ولا يطهر بالغسل، وينجس الثَّوب الذي ينشف به كسائر الميتات، وهذا باطلٌ بلا شكٍّ وخرق للإجماع.
          والمشهور عند الجمهور أنَّه غسلٌ تعبديٌّ يشترط فيه ما يشترط في سائر الأغسال الواجبة والمندوبة، وقيل: شرع احتياطاً لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع، والله أعلم.
          الثَّاني: وضوء الميت فوضوءه سنَّة كما في الاغتسال في حالة الحياة غير أنَّه لا يُمضمَض ولا يُستنشَق عندنا لأنَّهما متعسِّران، وقال صاحب «المغني»: ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه، في قول أكثر أهل العلم وهو قول سعيد بن جبير والنَّخعي والثَّوري وأحمد، وقال الشَّافعي: يُمضمَض ويُستنشَقُ كما يفعله الحيُّ، وقال النَّووي: المضمضةُ جعل الماء في فِيْهِ.
          قال العينيُّ: وهذا خلاف ما قاله أهل اللغة، فقال الجوهريُّ: المضمضة تحريك الماء في الفم، وإمام الحرمين لم يصوِّب من قال مثل ما قال النَّووي.
          الثَّالث: استعمال السِّدر، والحكم فيه عندنا أنَّ الماء يغلي بالسدر أو بالحُرْض، وهو الأشنان مبالغة في التَّنظيف فإن لم يكن السِّدر أو الأشنان فالماء القَرَاح.
          وذكر في «المحيط» و«المبسوط»: أنَّه يغسل أولاً بالماء القَرَاح، ثمَّ بالماء الذي يطرح فيه السِّدر، وفي الثالثة يجعل الكافور في الماء ويغسل، هكذا روي عن ابن مسعودٍ ☺، وعند سعيد بن المسيب والنَّخعي والثَّوري يغسل في المرَّة الأولى، والثَّانية: بالماء القَرَاح، والثَّالثة: بالسِّدر.
          وقال الشَّافعي: يختصُّ السدر بالأولى، وبه قال ابن الخطَّاب من الحنابلة، وعن أحمد: يستعمل السدر في الثَّلاث كلِّها، وهو قول عطاء وإسحاق وسليمان بن حرب.
          وقال الزَّين ابن المُنيِّر: جعلهما آلةً لغسل الميت، وهو مطابقٌ لحديث الباب؛ لأنَّ قوله: ((بماء وسدر)) يتعلَّق بقوله: ((اغسلنها)) وظاهره: أنَّ السِّدر يخلط في كلِّ مرَّةٍ من مرَّات الغسل، وهو مشعرٌ بأنَّ غسل الميت للتَّنظيف لا للتَّطهير؛ لأنَّ الماء المضاف لا يتطهَّر به، انتهى.
          وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافاً بذاك، لاحتمال أن لا يُغيِّر السدر وصف الماء بأن يُمعك بالسدر ثمَّ يغسل بالماء في كلِّ مرَّةٍ، فإنَّ لفظ الخبر لا يأبى ذلك.
          وقال القرطبيُّ: يجعل السدر في ماءٍ، ويخضخض إلى أن تَخرجَ رغوته ويدلك به جسده، ثمَّ يصب عليه الماء القَرَاح فهذه غسلة.
          وأعلى ما ورد في ذلك / ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين أنَّه كان يأخذُ الغسل عن أمِّ عطيَّة فيغسل بالماء والسِّدر مرتين، والثَّالثة بالماء والكافور.
          قال ابن عبد البرِّ: كان يقال: كان ابن سيرين أعلم التَّابعين بذلك، وقال ابن العربيِّ: من قال الأُولى بالماء القَرَاح، والثَّانية بالماء والسِّدر أو العكس، والثَّالثة بالماء والكافور فليس هو في لفظ الحديث انتهى.
          وكأنَّ قائله أراد أن يقعَ إحدى الغسلات بالماء الصِّرف المطلق؛ لأنَّه المطهِّر في الحقيقة وأمَّا المضاف فلا، وتمسَّك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضيِّ وغيرهما من المالكيَّة فقالوا: غسل الميت إنَّما هو للتَّنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا: وإنَّما يكره من جهة السَّرف.
          وكرهت الشَّافعية وبعضُ الحنابلة الماء المسخَّن، وخَيَّر مالك، ذكره في «الجواهر»، وفي بعض كتب الشَّافعية قيل: المسخن أولى بكلِّ حالٍ وهو قول إسحاق، وفي «الدراية» وعند الشَّافعي وأحمد: الماء البارد أفضل إلَّا أن يكون عليه وسخٌ أو نجاسةٌ لا يزول إلَّا بالماء الحارِّ أو يكون البرد شديداً.
          فإن قيل: ترجم المؤلِّف ☼ الوضوء ولم يأتِ له بحديث.
          فالجواب: أنَّه اعتمد على المعهود من الاغتسال عن الجنابة، ويمكن أن يقال: إنَّه اعتمد على ما ورد في بعض طرقِ حديث الباب حديثِ أمِّ عطية: ((ابدأنَ بميامنها ومواضع الوضوء منها))، وكأنَّه أراد أنَّ الوضوء لم يرد الأمر به مجرداً، وإنَّما ورد البداءة بأعضاء الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة، أو أراد الاقتصار على الوضوء، لا يُجزئ لورود الأمر بالغسل.
          وقال الزَّين ابن المُنيِّر _بعدما ذكر الوجه الأوَّل_: أو أراد وضوء الغاسل؛ أي: لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر ☻ .
          وتعقَّبه الحافظ العسقلانيُّ: بأنَّ في عود الضَّمير إلى الغاسل، ولم يتقدَّم له ذِكْرٌ بُعْدٌ إلَّا أن يقال تقدير التَّرجمة باب غسل الحيِّ الميت؛ لأنَّ الميت لا يتولَّى ذلك بنفسه، فيعود الضَّمير إلى المحذوف، وهذا كما قال العينيُّ تعسُّف وإن كان له وجهٌ على أنَّ رجوعَ الضَّمير إلى أقرب الشَّيئين إليه أولى.
          (وَحَنَّطَ) بالحاء المهملة وتشديد النون؛ أي: طيب بالحنوط، واستعمله وهو كلُّ شيءٍ خلط للميت خاصة، كذا قاله الكرمانيُّ وتبعه الحافظ العسقلانيُّ، وفي «الصحاح»: الحنوط: ذَرِيرةٌ وهو طِيْبٌ للميت.
          وقال العينيُّ: الحنوط: عطرٌ مركَّب من أنواع الطِّيب يجعل على رأس الميِّت ولحيتهِ ولبقية جسده إن تيسَّر، وفي «المحيط»: لا بأس بسائرِ الطِّيب في الحنوطِ غير الزَّعفران والورس في حقِّ الرِّجال، ولا بأس بهما في حقِّ النِّساء فيدخل فيه المسك.
          وأجازه أكثر العلماء، وأمر به علي ☺، واستعمله أنس وابن عمر ☻ وابن المسيب، وبه قال مالكٌ والشَّافعي وأحمد وإسحاق، وكرهه عطاء والحسن ومجاهد وقالوا: إنَّه ميتة، واستعماله في حنوط النَّبي صلعم حجَّةٌ عليهم.
          وفي «الروضة»: ولا بأس بجعل المسك في الحنوط، وقال النَّخعي: يوضعُ الحنوط على الجبهة والرَّاحتين والرُّكبتين والقدمين، وفي «المفيد»: وإن لم يفعل فلا يضرُّ، وقال ابن الجوزيِّ والقرافي: يستحبُّ في المرَّة الثالثة شيءٌ من الكافور، قال: وقال أبو حنيفة: لا يستحبُّ، قال العينيُّ: نقلهما ذلك عنه خطأ.
          (ابْنُ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☻ ابْناً لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) أحد العشرة المبشرة العدويُّ القرشيُّ، أسلم قديماً ومات بالعقيق، ونقل إلى المدينة ودفن بها / سنة إحدى وخمسين ☺، واسم ابنه هذا: عبد الرحمن.
          كذا في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى: عن الليث عن نافعٍ أنَّه رأى عبد الله بن عمر ☻ حنَّط عبد الرَّحمن بن سعيد بن زيد ♥ .
          (وَحَمَلَهُ وَصَلَّى) عليه (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وهذا التَّعليق وصله مالك في «موطأه»: عن نافعٍ أنَّ ابن عمر ☻ حنَّط ابناً لسعيد بن زيدٍ وحمله، ثمَّ دخل المسجد فصلَّى ولم يتوضأ.
          ومطابقته للتَّرجمة من حيث إنَّ التَّحنيط يستلزم الغسل، ومن حيث إنَّ قوله: ((لم يتوضأ)) يدلُّ على أنَّ الغاسل ليس عليه وضوءٌ فيطابق التَّرجمة على تقدير عود الضَّمير في قوله: ((ووضوءه)) إلى الغاسل المذكور حكماً.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وقيل: تعلُّق هذا الأثر وما بعده بالتَّرجمة من جهة أنَّ المصنِّف يرى أنَّ المؤمن لا ينجس بالموت، وأنَّ غسله إنَّما هو للتَّعبد؛ لأنَّه لو كان نجساً لم يطهره الماء والسدر، ولا الماء وحده، ولو كان نجساً ما مسَّه ابن عمر ☻ ولغسل ما مسَّه من أعضاءه.
          وتعقَّبه العينيُّ بأنَّه ليس بين هذا الأثر وبين التَّرجمة من هذه الجهة البعيدة تعلُّق أصلاً، نعم هذا الذي ذكره يصلح أن يكون وجه التَّطابق بين التَّرجمة وبين أثر ابن عباس ☻ الآتي ذكره، إذ إيراده أثر ابن عبَّاس ☻ في هذا الباب يدلُّ على أنَّه يرى رأي ابن عبَّاس ☻ .
          ويفهم منه أنَّ غسل الميت عنده أمرٌ تعبديٌّ، هذا وأنت خبيرٌ بأنَّ ما ذكره الحافظ العسقلانيُّ ليس من البعد بهذه المثابة.
          ثمَّ قال الحافظ العسقلانيُّ: وكأنَّه أشار إلى تضعيف ما أخرجه أبو داود من طريق عَمرو بن عُمير عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ)) رواته ثقاتٌ إلَّا عمرو بن عُمير فليس بمعروفٍ.
          وروى التِّرمذي وابن حبَّان من طريق سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة ☺ نحوه، وهو معلولٌ؛ لأنَّ أبا صالحٍ لم يسمعه من أبي هريرة.
          وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: الصَّواب عن أبي هريرة موقوفٌ، وقال أبو داود: بعد تخريجه هذا منسوخٌ ولم يبين ناسخه.
          وقال الذُّهلي: فيما حكاه الحاكم في «تاريخه»: ليس في ((من غسل ميتاً فليغتسل)) حديث ثابتٌ، انتهى.
          وقد اختُلِف في الذي يغسل الميت، فقال بعض أهل العلم من أصحاب النَّبي صلعم وغيرهم: إذا غسل ميتاً فعليه الغسل، وقال بعضهم: عليه الوضوء.
          وقال مالك بن أنسٍ: أستحبُّ الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجباً، وهكذا قال الشَّافعي، وقال أحمد: من غسل ميتاً أرجو أن لا يجب عليه الغسل، / فأمَّا الوضوء فأقلُّ ما فيه؛ أي: فهو أقل ما في غسل الميت، وقال إسحاق: لا بدَّ من الوضوء، وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنَّه قال: لا يغتسل ولا يتوضَّأ من غسل الميت.
          وقال مالك في «العتبية»: أدركت النَّاس على أنَّ غاسلَ الميت يغتسل، واستحسنه ابن القاسم وأشهب، وقال ابن حبيب: لا غسل عليه ولا وضوء.
          وفي «التوضيح» وللشَّافعي قولان: الجديد هذا، والقديم الوجوب.
          وبالغسل قال ابن المسيب وابن سيرين والزُّهري قاله ابن المنذر، وقال الخطَّابي: لا أعلم أحداً قال بوجوب الغسل فيه، وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه، والجمهور على عدم وجوب واحدٍ منهما، ثمَّ إنَّه لا يشترط غسل الغاسل ولا وضوءه حين يباشر الغسل ولو كان جنباً أو حائضاً أو كافراً، ذكره القُهُسْتَانيُّ.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ : الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجسُ) بفتح الجيم، ويقال: بضمها (حَيًّا وَلاَ مَيِّتاً) وجه مطابقته للتَّرجمة قد ذكر فلا نعيده.
          وهذا التَّعليق وصله ابنُ أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عَمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبَّاس ☻ أنَّه قال: لا تنجسوا موتاكم فإنَّ المؤمن ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميتاً، وقوله: ((لا تنجسوا)): أي: لا تقولوا إنَّهم نجس.
          ورواه سعيدُ بن منصور أيضاً عن سفيان نحوه موقوفاً، ورواه الحاكم مرفوعاً بإسناده إلى ابن عبَّاس ☻ قال: قال رسول الله صلعم : ((لا تنجسِّوا موتاكُم فإنَّ المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتاً)) وقال: صحيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يخرِّجاه.
          وقد أخرجه الدَّارقطنيُّ من رواية عبد الرَّحمن بن يحيى المخزوميِّ عن سفيان أيضاً مرفوعاً.
          (وَقَالَ سَعدٌ) أي: ابن أبي وقَّاص ☺، وفي رواية: <وقال سعيد> بزيادة الياء، قال الحافظ العسقلانيُّ: والأول أولى، وقال العينيُّ: والأوَّل أشهرُ وأصحُّ.
          (لَوْ كَانَ نَجِساً) بكسر الجيم (مَا مَسِسْتُهُ) بكسر السين الأولى، ووجه مطابقته ظاهرٌ ممَّا تقدَّم.
          وهذا التَّعليق وصله ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطَّان عن الجعد عن عائشة بنت سعدٍ قالت: أؤذن سعد _تعني: أباها_ بجنازة سعيد بن زيد ☺، وهو بالعقيق فجاءه فغسله وكفنه وحنَّطه ثمَّ أتى داره فاغتسل ثمَّ قال: لم أغتسل من غسله ولو كان نجساً ما مسستُه أو ما غسلته، ولكنِّي اغتسلت من الحرِّ.
          وفي رواية: <لو علمت أنَّه نجسٌ لم أمسه> ذكره سمويه في «فوائده» من طريق أبي واقدٍ المدني، / وفي هذا الأثر فائدةٌ حسنةٌ وهي أنَّ العالم إذا عمل عملاً يخشى أن يلتبسَ على من رآه، ينبغي له أن يُعلِمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ) هذا طرفٌ من حديث أبي هريرة ☺ [خ¦285].
          وقد تقدَّم موصولاً في باب: «الجنب يمشي في السُّوق» من كتاب الغسل: قال: لقيني رسول الله صلعم وأنا جنبٌ فأخذَ بيدي فمشيتُ معه حتَّى قعد فانسللت (1) فأتيت الرَّحل فاغتسلت، ثمَّ جئت وهو قاعدٌ فقال: أين كنت يا أبا هريرة؟ فقلت له، فقال صلعم : ((سبحان الله يا أبا هريرة إنَّ المؤمن لا ينجسُ)) [خ¦285].
          ووجه الاستدلال به أنَّ صفة الإيمان لم تُسْلَب بالموت، وإذا كانت باقية فهو غير نجس، ووقع في نسخة الصَّغَّاني هنا: <قال أبو عبد الله> _وهو: البخاريُّ نفسه_: <النَّجس القذر>، وأراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النَّجس عن المسلم حقيقةً وحكماً.


[1] في هامش الأصل: انسللت: أي: ذهبت خفية. منه.