نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الكفن من جميع المال

          ░25▒ (باب) بالتنوين (الْكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) يعني: لا من الثُّلث، كما ذهب إليه خِلاس بن عمرو، وذكر الطُّحاوي أنَّه أحد قولي سعيد بن المسيب وقول طاووس، فإنَّهما قالا: الكفن من الثُّلث، وعن طاووس: من الثُّلث إن كان قليلاً.
          (وَبِهِ) أي: بكون الكفن من جميع المال (قَالَ عَطَاءٌ) هو: ابن أبي رباحٍ، وصله الدَّارمي من طريق ابن المبارك عن ابن جريجٍ عنه قال: الحنوط والكفن من رأس المال (وَالزُّهْرِيُّ) هو: محمَّد بن مسلم بن شهاب، وصله عبد الرَّزاق أخبرنا معمر عن الزُّهري وقتادة قالا: الكفن من جميع المال.
          (وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) قال عبد الرَّزاق عن عطاء: الكفن والحنوط من رأس المال، قاله وقاله عمرو بن دينار، (وَقَتَادَةُ) هو: ابن دعامة السَّدوسي وهو أيضاً قال مثل ما قال عطاء والزُّهري وقد مرَّ آنفاً (وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) أي: لا من الثُّلث، ذكره عبد الرَّزاق وقد مرَّ.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النَّخعي (يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ) أي: وبمؤنة التَّجهيز (ثُمَّ بِالدَّيْنِ) أي: بالدِّين اللازم له لله تعالى أو لآدميٍّ؛ لأنَّه أحوط للميت (ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ) ثمَّ ما بقي فللورثة، وإنَّما يبدأ بالكفن؛ لأنَّ النَّبي صلعم لم يستفسر في حديث حمزة ومصعب بن عُمير ☻ هل عليهما دينٌ، ولو لم يكن مقدَّماً على الدَّين لاستفسر؛ لأنَّه موضع الحاجة إلى البيان، وسكوت الشَّارع في موضع الحاجة إلى البيان (1) بيان، فإن قيل: يَرِدُ عليه العبد الجاني والمرهون / والمستأجر في بعض الرِّوايات، والمشتري قبل القبض إذا مات المشتري قبل أداء الثَّمن، فإنَّ وليَّ الجناية والمرتهن والمستأجر والبائع أحقُّ بالعين من تجهيز الميت وتكفينه فإنْ فَضُلَ شيءٍ من ذلك يصرف إلى التَّجهيز والتَّكفين.
          فالجواب أنَّ هذا كله ليس بتركةٍ؛ لأنَّ التَّركة ما يتركه الميت من الأموال صافياً عن تعلُّق حقِّ الغير بعينه، وهاهنا تعلُّق حقِّ الغير بعينه قبل أن تكون تركة.
          فإن قيل: فما وجه تقديم الوصيَّة على الدَّين ذكراً في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12].
          فالجواب: أنَّ تقديمها لكونها قربة والدَّين مذموم غالباً، ولكونها مشابهةً للإرث من جهة أخذها بلا عوضٍ وشاقة على الورثة، وأمَّا الدَّين فنفوسهم مطمئنةٌ إلى أدائه فقدِّمت عليه بَعثاً على وجوب إخراجها والمسارعة إليه، ولهذا عطف «بأو» للتَّسوية بينهما في الوجوب عليهم، وليفيد تأخُّر الإرث عن أحدهما، كما يفيد تأخُّره عنهما بمفهوم الأولى، والله أعلم.
          (وَقَالَ سُفْيَانُ) هو: الثَّوري (أَجْرُ الْقَبْرِ) أي: أجر حفر القبر (وَ) أجر (الْغَسْلِ هُوَ مِنَ الْكَفَنِ) أي: من جنس الكفن أو بعض الكفن، والغرض أنَّ حكمه حكم الكفن في كونه من رأس المال لا من الثُّلث، وهذا التَّعليق وصله الدَّارمي.


[1] قوله: ((وسكوت الشارع في موضع الحاجة إلى البيان)): ليس في (خ).