نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟

          ░77▒ (بابٌ) بالتنوين (هَلْ يُخْرَجُ) على البناء للمفعول (الْمَيِّتُ مِنَ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ) بعد دفنه (لِعِلَّةٍ؟) أي: لأجل سببٍ من الأسباب، كأن دُفِن بلا غسل أو في كفنٍ مغصوب أو لحقه بعد الدَّفن سيلٌ.
          وإنَّما أورد التَّرجمة على سبيل الاستفهام، ولم يذكر جوابه اكتفاء بما في أحاديث الباب الثَّلاثة عن جابر ☺؛ لأنَّ في الحديث الأوَّل [خ¦1350] إخراج الميت من قبره لعلَّةٍ، وهي إقماص النَّبي صلعم عبد الله بن أبيٍّ بقميصه الذي يلي جسده.
          وفي الحديث الثَّاني [خ¦1351] والثَّالث [خ¦1352] إخراجه أيضاً لعلَّةٍ هي تطييب قلب جابر ففي الأوَّل لمصلحة الميت، وفي الثَّاني والثَّالث لمصلحة الحيِّ، ويتفرَّع على هذين الوجهين جواز إخراج الميت من قبره إذا كانت الأرض مغصوبةً أو ظهرت مستحقَّة أو نوزعت بالشَّفعة.
          وكذلك نقل الميت من موضعٍ إلى موضع فذكر في «الجوامع» وإن نقل ميلاً أو ميلين فلا بأس به، وقيل: ما دون السَّفر، وقيل: لا يكره السَّفر أيضاً.
          وعن عثمان ☺ أنَّه أَمَرَ بقبور كانت عند المسجد أن تحوَّل إلى البقيع، وقال: توسَّعوا في مسجدكم، وقيل: لا بأس في مثله، وقال المازري: ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلدٍ إلى بلدٍ.
          وقد مات سعد بن / أبي وقَّاص ☺ بالعقيق ودفن بالمدينة، وكذلك سعيد بن زيد، وفي «الحاوي» قال الشَّافعي: لا أحب نقله إلَّا أن يكون بقرب مكَّة أو المدينة أو بيت المقدس فأختار أن ينقل إليها لفضل الدَّفن فيها، وقال البغويُّ والبندنيجي: يكره نقله، وقال القاضي حسين والدَّارمي: يحرم نقله.
          قال النَّووي: هذا هو الأصحُّ، ولم يرَ أحمد بأساً أن يحوَّل الميت من قبره إلى غيره، قال: قد نَبَشَ معاذ امرأته وحول طلحة، فإن قيل: ما فائدة قوله: «واللحد» مع تناول القبر له؟
          فالجواب: أنَّه أشار إلى جواز الإخراج لعلَّةٍ سواء كان وحده في القبر نبَّه عليه بقوله: «من القبر»، أو كان معه غيره نبَّه عليه بقوله: «واللحد»؛ لأنَّ والد جابر ☺ كان في اللحد ومعه غيره، فأخرجه جابرٌ وجعله في قبر وحده حيث قال في حديثه: «ودفن معه آخر في قبره...» إلى آخره.