نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة

          ░41▒ (بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ) بضم الياء من «يُظهر» على أنَّه من الأفعال، وبنصب «حُزْنه» على المفعولية (عِنْدَ) حلول (الْمُصِيبَةِ) فترك ما أُبيح له من إظهار الحزن الذي لا إسخاط فيه لله تعالى قهراً للنَّفس بالصَّبر الذي هو خير، قال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].
          (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ) أي: بن سليم القُرَظي _بضم القاف وفتح الراء بعدها ظاء مشالة_ المديني حليف الأوس، سمع زيد بن أرقم وغيره، قال قتيبة: بلغني أنَّه ولد في حياة النَّبي صلعم ، وقال الواقدي: توفِّي بالمدينة سنة سبع وعشرين ومائة، وهو ابن ثمان وتسعين سنة.
          (الْجَزَعُ) الذي حظره الشَّرع (الْقَوْلُ السَّيِّئُ) أي: الذي يبعث الحزن غالباً (وَالظَّنُّ السَّيِّئُ) أي: اليأس من تعويضِ الله المصاب في العاجل ما هو خير وأنفع له من الفائت، أو الاستبعاد لحصول ما وعد به من الثَّواب على الصَّبر.
          ومناسبته للتَّرجمة من حيث المقابلة، وهي ذكر الشَّيء وما يضاده معه، وذلك أنَّ ترك إظهار الحزن من القول الحسن والظَّن الحسن، وإظهاره مع الجزع الذي حظره الشَّرع قول سيء وظنٌّ سيء.
          (وَقَالَ يَعْقُوبُ) ◙: ({إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي} [يوسف:86]) البثُّ: أصعب الهم الذي لا يصبر صاحبه على كتمانه فيبثُّه إلى النَّاس؛ أي: ينشره ({وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]) لا إلى غيره.
          ومناسبته للتَّرجمة من حيث إنَّه ╕ لمَّا ابتلي بفراق يوسف ╕ صبر ولم يشكُ إلى أحدٍ، ولا بثَّ حزنه إلَّا إلى الله تعالى، فطابق التَّرجمة من هذه الحيثيَّة.