التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الكحل للحادة

          ░47▒ (بَابُ الْكُحْلِ لِلْحَادِّ).
          5339- 5338- ذكر فيه حديثَ زينبَ ابنة أمِّ سَلَمَة: (عَنْ أُمِّهَا: أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَخَشُوا عَلَى عَيْنِهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلعم فَاسْتَأْذَنُوهُ في الْكُحْلِ، فَقَالَ: لَا تَكْتَحِلْ، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا _أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا_، فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ، فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ).
          (وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهُ ◙ قَالَ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا).
          5340- وحديثَ محمَّد بن سِيرينَ: (قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ).
          وقد سلف في الحيض [خ¦313].
          وقولُه: (بَابُ الْكُحْلِ لِلْحَادِّ) هو الصَّواب، وفي «شرح ابن بطَّالٍ»: <الْحَادَّةُ>، والصَّواب الأوَّل، مثل: طالقٌ وطامثٌ وحائضٌ، لأنَّه نعتٌ للمؤنَّث لا يَشْرَكُهُ فيه الرَّجل.
          والْأَحْلَاسُ جمع حِلْسٍ، وهو ما يُفرَش ليُجْلسَ عليه.
          وقوله: (فَخَشُوا عَلَى عَيْنِهَا) أصلُه: فخَشِيوا، على وزن عَلِموا، اسْتُثقِلَت الضَّمَّة على الياء فَحُذِفت، واجتمع ساكنان الياء والواو فَحُذِفت / الياء لاجتماع السَّاكنين، وضُمَّت الشَّين لتصحَّ الواو.
          وسلف حكم الكُحْل في الباب قبلَه، ونقل ابنُ التِّين عن بعض العلماء أنَّ هذه المرأةَ لم تكن بلغ بها ما يوجِبُ الأذى، لأنَّه ◙ أذِنَ لأمِّ سَلَمَة أن تُكحِّلَ العينَ بالجَلَاء وتنزِعَهُ نهارًا، قال: ومذهبُ مالكٍ أنَّها إذا اضُطرَّت اكْتَحَلَت وإن كان فيه طِيبٌ. وقال ابنُ الجلَّابٍ: إذا اضُطرَّت اكتحَلَت ليلًا ومَسَحَته نهارًا، وروى مالكٌ أنَّه بلغَه: أنَّه ◙ دخل على أمِّ سَلَمَة وهي حادٌّ على أبي سَلَمَة وقد جعلت على عينها صَبِرًا، فقال: ((مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟)) قالت: إنَّما هو صَبِرٌ يا رسول الله، قال: ((فاجْعَلِيهِ باللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ))، وهذا مخالفٌ لحديث الباب؛ حيث لم يرَخِّص لبنتِ أمِّ سَلَمَة حينَ توفَّى عنها زوجُها في الكُحْل ليلًا ولا نهارًا، والجمَعُ بينهما يُؤخَذ ممَّا أسلفنا.
          وقد ذكر هنا ابنُ أبي صُفرة أنَّ النَّهي عن ذلك فيها قطعًا للذَّرائع، لأنَّ ذلكَ مِن دواعي التَّزويج الَّتي مُنعت منه حتَّى تخرجَ مِن العِدَّة احتياطًا للميِّت إذ قد زالت مراعاته لها، لكن إذا دخل على النَّاس المشقَّةُ مِن قطعها رُفِعت عنهم، ودلَّت إباحتُه ليلًا أنَّ نهيَه عنه ليس على التَّحريم وإنَّما هو على التَّنزيه، فمن شاء أخذَ بالشِّدَّة على نفسِهِ كما فَعَلَت صفيَّة بنت أبي عُبَيدٍ في ترك الكُحْل حتَّى كادت عيناها تَرْمَصَان، ومَن شاء أخذ بالرُّخص فيه فقد أجازه جماعةٌ مِن السَّلف.
          ذكر مالكٌ في «الموطَّأ» أنَّه بَلَغَه عن سالمِ بن عبد الله وسُلَيْمَان بن يَسَارٍ أنَّهما أجازا للمتوفَّى عنها زوجها إذا خَشِيت على بصرها مِن شكوى بها أن تَكْتَحِل وتتداوى بما فيه طِيبٌ، قال مالكٌ: فإذا كانت الضَّرورة فإنَّ دِينَ الله يُسْرٌ، وقد قال في «المختصر الصَّغير»: لا تَكْتَحِل إلَّا أن تُضطرَّ إليه مِن غير طيبٍ يكون فيه. وقال الشَّافعيُّ: كلُّ كُحلٍ فيه زينةٌ للعين مثل الإثمدِ وشبيهه لا خيرَ فيه، وأمَّا الفارسِيُّ وشَبهه عند الضَّرورة فلا بأس به، لأنَّه ليس بزينةٍ بل يزيد العين قُبحًا، وما اضطرَّ إليه ممَّا فيه زينةٌ اكتحلت به ليلًا وَمَسحَته نهارًا، واحتجَّ ببلاغ مالكٍ عن أمِّ سَلَمَة.
          قال الشَّافعيُّ: في الصَّبر يصفِّرُ العينَ فيكون زينةً وليس بطِيبٍ، فأذِنَ لها ◙ فيه ليلًا حيث لا تُرَى، وكذلك ما أشبهه، وذكر ابنُ المنذر قال: رخَّص في الكُحْل عند الضَّرورة عطاءٌ والنَّخعيُّ، وهو قول مالكٍ والكوفيِّين قالوا: لا بأس بالكُحْلِ الأسود وغيره إذا اشتكت عينُها.